الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (32)

قوله تعالى : " الذين تتوفاهم الملائكة طيبين " قرأ الأعمش وحمزة " يتوفاهم الملائكة " في الموضعين بالياء ، واختاره أبو عبيد ؛ لما روي عن ابن مسعود أنه قال : إن قريشا زعموا أن الملائكة إناث فذكروهم أنتم . الباقون بالتاء ؛ لأن المراد به الجماعة من الملائكة . و " طيبين " فيه ستة أقوال : الأول : " طيبين " طاهرين من الشرك . الثاني : صالحين . الثالث : زاكية أفعالهم وأقوالهم . الرابع : طيبين الأنفس ثقة بما يلقونه من ثواب الله تعالى . الخامس : طيبة نفوسهم بالرجوع إلى الله . السادس : " طيبين " أن تكون وفاتهم طيبة سهلة لا صعوبة فيها ولا ألم ، بخلاف ما تقبض به روح الكافر والمخلط . والله أعلم . " يقولون سلام عليكم " يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون السلام إنذارا لهم بالوفاة . الثاني : أن يكون تبشيرا لهم بالجنة ؛ لأن السلام أمان . وذكر ابن المبارك قال : حدثني حيوة قال أخبرني أبو صخر{[9865]} عن محمد بن كعب القرظي قال : إذا استنقعت{[9866]} نفس العبد المؤمن جاءه ملك الموت فقال : السلام عليك وليّ الله الله يقرأ عليك السلام . ثم نزع بهذه الآية " الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم " . وقال ابن مسعود : إذا جاء ملك الموت يقبض روح المؤمن قال : ربك مقرئك السلام . وقال مجاهد : إن المؤمن ليبشر بصلاح ولده من بعده لتقر عينه . وقد أتينا على هذا في كتاب التذكرة وذكرنا هناك الأخبار الواردة في هذا المعنى ، والحمد لله . " ادخلوا الجنة " يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون معناه أبشروا بدخول الجنة . الثاني : أن يقولوا ذلك لهم في الآخرة " بما كنتم تعملون " يعني في الدنيا من الصالحات .


[9865]:في الطبري: أبو صخر أنه سمع.
[9866]:استنقع الماء: اجتمع وثبت. أي إذا اجتمعت نفس المؤمن في فيه تريد الخروج، كما يستنقع الماء في قراره، وأراد بالنفس الروح.