اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (32)

ثم وصف المتقين فقال : { الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة طَيِّبِينَ } وهذا مقابلٌ لقوله { الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } [ النحل : 28 ] .

وقوله : " طَيِّبِينَ " كلمة مختصرة جامعة لمعان كثيرة ؛ فيدخل فيها إتيانهم بالمأموراتِ ، واجتنابهم عن المنهيات ، واتصافهم بالأخلاق الفاضلة ، وبراءتهم عن الأخلاق المذمومة .

وأكثر المفسرين يقول : إن هذا التَّوفي قبض الأرواح .

وقال الحسن : إنه وفاةُ الحشر ؛ لقوله بعد { ادخلوا الجنة } واحتج الأولون بأن الملائكة لما بشروهم بالجنة ، صارت الجنة كأنها دارهم ، فيكون المراد بقوله : { ادخلوا الجنة } أي : خاصة لكم ، " يَقُولونَ " يعني الملائكة : " سَلامٌ عَلَيْكُم{[19812]} " وقيل : يُبلِّغونَهم سلام الله .

قوله : { الذين تَتَوَفَّاهُمُ } يحتمل ما ذكرناه فيما تقدم ، وإذا جعلنا " يَقُولون " خبراً فلابدَّ من عائدٍ محذوفٍ ، أي : يقولون لهم ، وإذا لم نجعله خبراً ، كان حالاً من الملائكة ؛ فيكون " طَيِّبينَ " حالاً من المفعول ، و " يَقُولُونَ " حالاً من الفاعل ، وهي يجوز أن تكون حالاً مقارنة ، أي : كان القول واقعاً في الدنيا ، ومقدرة إن كان واقعاً في الآخرة .

ومعنى " طَيِّبينَ " ، أي ظاهرين من الشرك ، وقيل : صالحين ، وقيل : زاكية أعمالهم وأقوالهم ، وقيل : طيِّبي الأنفس ؛ ثقة بما يلقونه من ثواب الله - تعالى - وقيل : طيبة نفوسهم ، بالرجوع إلى الله ، وقيل : طيِّبين ، أي : يكون وفاتهم طيبة سهلة .

و " ما " في " بِمَا " مصدرية ، أو بمعنى الذي ؛ فالعائد محذوف .


[19812]:ذكره الرازي في "تفسيره" (10/22).