التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلۡأَخۡضَرِ نَارٗا فَإِذَآ أَنتُم مِّنۡهُ تُوقِدُونَ} (80)

وقوله - تعالى - : { الذي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ } دليل آخر على إمكانية البعث وهو بدل من قوله - تعالى - قبل ذلك : { الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ . . . } .

والمراد بالشجر الأخضر : الشجر النَّدِى الرطب ، كشجر المَرْخِ والعَفَار وهما نباتان أخضران إذا ضرب أحدهما بالآخر اتقدت منهما شرارة نار بقدرة الله - تعالى - .

قال ابن كثير : المراد بذلك سَرْح - أى : شجر المرخ والعفار . ينبت بأرض الحجاز فيأتى من أراد قدح نار وليس معه زناد ، فيأخذ منه عودين أخضرين ، ويقدح أحدهما بالآخر ، فتتولد النار من بينهما ، كالزناد سواء سواء .

روى هذا عن ابن عباس - رضى الله عنهما - وفى المثل : " لكل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار " .

أى : لكل شجر حظ من النار ، ولكن أكثر الأشجار حظا من النار : المرخ والعفار . فهو مثل يضرب فى تفصيل بعض الشئ على بعض .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المنكرين للبعث ، يحيى الأجساد البالية الله - تعالى - الذى أنشأها أول مرة ، والذى جعل لكم - بفضله ورحمته وقدرته - من الشجر الأخضر الرطب ناراً ، فإذا أنتم من هذا الشجر الأخضر توقدون النار . وتنتفعون بها فى كثير من أحوال حياتكم .

وإذاً فمن قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر - مع ما فيه من المائية المضادة لها - كان أقدر على إعادة الأجساد بعد فنائها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلۡأَخۡضَرِ نَارٗا فَإِذَآ أَنتُم مِّنۡهُ تُوقِدُونَ} (80)

{ الذي جعل لكم من الشجر الأخضر } كالمرخ والعفار . { نارا } بأن يسحق المرخ على العفار وهما خضراوان يقطر منهما الماء فتنقدح النار . { فإذا أنتم منه توقدون } لا تشكون فإنها نار تخرج منه ، ومن قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيتها كان أقدر على إعادة الغضاضة فيما كان غضا فيبس وبلي ، وقرئ من " الشجر الخضراء " على المعنى كقوله { فمالئون منها البطون } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلۡأَخۡضَرِ نَارٗا فَإِذَآ أَنتُم مِّنۡهُ تُوقِدُونَ} (80)

بدل من { الذي أنشأها } [ يس : 79 ] بدلاً مطابقاً ، وإنما لم تعطف الصلة على الصلة فيكتفى بالعطف عن إعادة اسم الموصول لأن في إعادة الموصول تأكيداً للأول واهتماماً بالثاني حتى تستشرف نفس السامع لتلقّي ما يرِدُ بعده فيفطن بما في هذا الخلق من الغرابة إذ هو إيجاد الضد وهو نهاية الحرارة من ضده وهو الرطوبة . وهذا هو وجه وصف الشجر بالأخضر إذ ليس المراد من الأخضر اللون وإنما المراد لازمه وهو الرطوبة لأن الشجر أخضر اللون ما دام حياً فإذا جفّ وزالت منه الحياة استحال لونه إلى الغُبرة فصارت الخضرة كناية عن رطوبة النبت وحياته . قال ذو الرمة :

ولما تمنَّتْ تأكل الرِّمَّ لم تَدَعْ *** ذَوابل مما يجمعون ولا خضرا

ووصف الشجر وهو اسم جمع شجرة وهو مؤنث المعنى ب { الأخْضَرِ } بدون تأنيثٍ مراعاة للفظ الموصوف بخلوّه عن علامة تأنيث وهذه لغة أهل نجد ، وأما أهل الحجاز فيقولون : شَجَر خضراء على اعتبار معنى الجمع ، وقد جاء القرآن بهما في قوله : { لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم } [ الواقعة : 5254 ] .

والمراد بالشجر هنا : شجر المَرْخ ( بفتح الميم وسكون الراء ) وشجر العَفَار ( بفتح العين المهملة وفتح الفاء ) فهما شجران يقتدح بأغصانهما يؤخذ غصن من هذا وغصن من الآخر بمقدار المِسواك وهما خضْرَاوَاننِ يقطر منهما الماء فيسحق المَرْخ على العَفار فتنقدح النار ، قيل : يجعل العَفار أعلى والمَرْخ أسفل ، وقيل العكس لأن الجوهري وابن السيد في « المخصص » قالا : العَفار هو الزّند وهو الذكَر والمَرْخ الأنثى وهو الزندة . وقال الزمخشري في « الكشاف » : المَرْخ الذكر والعَفَار الأنثى ، والنار هي سِقط الزَّنْد ، وهو ما يخرج عند الاقتداح مشتعلاً فيوضع تحته شيء قابل للالتهاب من تبن أو ثوب به زيت فتخطف فيه النار .

والمفاجأة المستفادة مِن { فإذا أنتم منه تُوقِدُونَ } دالة على عجيب إلهام الله البشر لاستعمال الاقتداح بالشجر الأخضر واهتدائهم إلى خاصيته .

والإيقاد : إشعال النار يقال : أَوقد ، ويقال : وَقَد بمعنى .

وجيء بالمسند فعلاً مضارعاً لإِفادة تكرر ذلك واستمراره .