التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَجَعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَبِيهِمۡ قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلۡكَيۡلُ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَآ أَخَانَا نَكۡتَلۡ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} (63)

لقد حكت لنا السورة الكريمة ما دار بين إخوة يوسف وبين أبيهم من محاروات طلبوا خلالها منه أن يأذن لهم في اصطحاب " بنيامين " معهم في رحلتهم القادمة إلى مصر ، كما حكت ما رد به أبوهم عليهم . قال - تعالى - :

{ فَلَمَّا رَجِعُوا إلى أَبِيهِمْ قَالُواْ . . . }

قوله - سبحانه - : { فَلَمَّا رَجِعُوا إلى أَبِيهِمْ قَالُواْ ياأبانا مُنِعَ مِنَّا الكيل فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ . . . } حكاية لما قاله إخوة يوسف لأبيهم فور التقائهم به .

والمراد بالكيل : الطعام المكيل الذي هم في حاجة إليه .

والمراد بمنعه : الحيلولة بينهم وبينه في المستقبل ، لأن رجوعهم بالطعام قرينة على ذلك .

والآية الكريمة معطوفة على كلام محذوف ، يدرك من السياق والتقدير : ترك إخوة يوسف مصر ، وعادوا إلى بلادهم ، بعد أن وعدوه بتنفيذ ما طلبه منهم ، فلما وصلوا إلى بلادهم ، ودخلوا على أبيهم قالوا له بدون تمهل .

{ ياأبانا } لقد حكم عزيز مصر بعدم بيع أى طعام لنا بعد هذه المرة إذا لم نأخذ معنا أخانا " بنيامين " ليراه عند عودتنا إليه ؛ فقد قال لنا مهدداً عند مغادرتنا له : { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } .

وأنت تعلم أننا لا بد من عودتنا إليه ، لجلب احتياجاتنا من الطعام وغيره ، فنرجوك أن توافقنا على اصطحاب " بنيامين " معنا { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } حفظاً تاماً من أن يصيبه مكروه .

والآية الكريمة واضحة لدلالة على أن قولهم هذا لأبيهم ، كان بمجرد رجوعهم إليه ، وكان قبل أن يفتحوا متاعهم ليعرفوا ما بداخله . . .

وكأنهم فعلوا ذلك ليشعروه بأن إرسال بنيامين معهم عند سفرهم إلى مصر ، أمر على أكبر جانب من الأهمية ، وأن عدم إرساله سيترتب عليه منع الطعام عنهم .

وقرأ حمزة والكسائى : { فأرسل معنا أخانا يكتل } - بالياء - أى : فأرسله معنا ليأخذ نصيبه من الطعام المكال ، لأن عزيز مصر طعاماً لمن كان غائباً .

وعلى كلا القراءتين فالفعل مجزوم في جواب الطلب .

وقالوا له { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } بالجملة الإِسمية ، لتأكيد حفظهم له : وأن ذلك أمر ثابت عندهم ثبوتاً لا مناص منه .

ولكن يبدو أن قولهم هذا قد حرك كوامن الأحزان والآلام في نفس يعقوب ، فهم الذين سبق أن قالوا له في شأن يوسف - أيضاً - { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }

لذا نجده يرد عليهم في استنكار وألم بقوله : { قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ على أَخِيهِ مِن قَبْلُ . . . } .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَجَعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَبِيهِمۡ قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلۡكَيۡلُ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَآ أَخَانَا نَكۡتَلۡ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} (63)

{ فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا مُنع منا الكيل } حكم بمنعه هذا إن لم نذهب ببنيامين . { فأرسل معنا أخانا نكتل } نرفع المانع من الكيل ونكتل ما نحتاج إليه . وقرأ حمزة والكسائي بالياء على إسناده إلى الأخ أي يكتل لنفسه فينضم اكتياله إلى اكتيالنا . { وإنا له لحافظون } من أن يناله مكروه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَجَعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَبِيهِمۡ قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلۡكَيۡلُ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَآ أَخَانَا نَكۡتَلۡ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} (63)

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر : «نكتل » بالنون على مراعاة { منع منا } ويقويه : { ونمير أهلنا ونزداد } [ يوسف : 65 ] وقرأ حمزة والكسائي : «يكتل » بالياء ، أي يكتل بنيامين كما اكتلنا نحن .

وأصل { نكتل } ، وزنه نفتعل{[6742]} . وقوله { منع منا } ظاهره أنهم أشاروا إلى قوله : { فلا كيل لكم عندي } [ يوسف : 60 ] فهو خوف في المستأنف{[6743]} ؛ وقيل : أشاروا إلى بعير بنيامين - الذي لم يمتر - والأول أرجح . ثم تضمنوا له حفظه وحيطته .


[6742]:فاستثقلوا الكسرة على الياء فحذفت الكسرة، فانقلبت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها، فالتقى ساكنان فحذفت لالتقاء الساكنين.
[6743]:في بعض النسخ: "فهو خوف من المستأنف"، وكان خوفهم من المنع في المستأنف حقيقة لأنهم قد كيل لهم بالفعل وجاءوا أباهم بالميرة، لكن لما أنذروا بالمنع قالوا: (منع).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَجَعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَبِيهِمۡ قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلۡكَيۡلُ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَآ أَخَانَا نَكۡتَلۡ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} (63)

معنى { منع منا الكيل } حِيل بيننا وبين الكيل في المستقبل ، لأن رجوعهم بالطعام المعبر عنه بالجَهاز قرينة أن المنع من الكيل يقع في المستقبل ، ولأن تركيب { منع منا } يؤذن بذلك ، إذ جعلوا الكيل ممنوع الابتداء منهم لأن { من } حرف ابتداء .

والكيل مصدر صالح لمعنى الفاعلية والمفعولية ، وهو هنا بمعنى الإسناد إلى الفاعل ، أي لن نكيل ، فالممنوع هو ابتداء الكيل منهم . ولمّا لم يكن بيدهم ما يكال تعيّن تأويل الكيل بطلبه ، أي منع منّا ذلك لعدم الفائدة لأننا لا نُمنحه إلاّ إذا وفينا بما وعَدْنا من إحضار أخينا . ولذلك صح تفريع { فأرسل معنا أخانا } عليه ، فصار تقدير الكلام : منعنا من أن نطلب الكيل إلا إذا حضر معنا أخونا . فتعين أنه حكَوْا القصة لأبيهم مفصلة واختصرها القرآن لظهور المرد . والمعنى : إن أرسلته معنا نَرحَل للاكتيال ونطلبه . وإطلاق المنع على هذا المعنى مجاز ، لأنهم أنذروا بالحرمان فصار طلبهم ممنوعاً منهم لأن طلبه عبث .

وقرأ الجمهور { نكتل } بنون المتكلم المشارك . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف بتحتية عوض النون على أنه عائد إلى { أخانا } أي يكتل معنا .

وجملة { وإنا له لحافظون } عطف على جملة { فأرسل } . وأكدوا حفظه بالجملة الإسمية الدالة على الثبات وبحرف التوكيد .