التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَٰلِمَ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَيۡنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (46)

ثم أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يلتجئ إلى خالقه وحده من شرور هؤلاء المشركين ، وأن يفوض أمره إليه ، فقال - تعالى - { قُلِ اللهم فَاطِرَ السماوات والأرض عَالِمَ الغيب والشهادة أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } .

ولفظ : { اللهم } أصله يا الله . فلما استعمل دون حرف النداء . عوض عنه بالميم المشددة التى فى آخره .

ولفظ " فاطر ، عالم " منصوبان على النداء .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - على سبيل الاستعاذة والاعتزال لما عليه هؤلاء المشركون من جهل وسفه ، يا الله ، يا خالق السموات والأرض ويا عالم الغائب والمشاهد والخفى والظاهر من أمور خلقك ، أنت وحدك الذى تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون فى الدنيا ، فتجازى كل نفس بما تستحقه من ثواب أو عقاب .

وما دام الأمر كذلك ، فاهدنى إلى صراط المستقيم ، وجنبنى الشرك والمشركين .

فالمقصود بالآية الكريمة تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما فعله المشركون معه ، وإرشاده إلى ما يعصمه من كيدهم . وتعليم العباد وجوب الالتجاء إلى الله - تعالى - وحده - لدفع كيد أعدائه عنهم .

وقد ساق الإِملام ابن كثير عند تفسير لهذه الآية جملة من الأحاديث ، منها ما رواه الإِمام مسلم فى صحيحه عن أبى مسلمة بن عبد الرحمن قال : سألت عائشة : بأى شئ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل ؟

قالت : كان إذا قام من الليل افتتح صلاته بقوله : " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض . عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، أهدنى لما اخْتُلِفَ فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم . . . " .

وقال صاحب الكشاف : " بعل - بكسر العين - أى : دهش وفزع رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة شكيمتهم فى الكفر ، فقيل له : " ادع الله بأسمائه الحسنى ، وقل : أنت وحدك تقدر على الحكم بينى وبينهم ، ولا حيلة لغيرك فيهم " وفيه وصف حالهم ، وإعذار لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسلية له ، ووعيد لهم . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَٰلِمَ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَيۡنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (46)

{ قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة } التجئ إلى الله بالدعاء لما تحيرت في أمرهم وضجرت من عنادهم وشدة شكيمتهم ، فإنه القادر على الأشياء والعالم بالأحوال كلها . { أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون } فأنت وحدك تقدر أن تحكم بيني وبينهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَٰلِمَ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَيۡنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (46)

أمر الله تعالى نبيه بالدعاء ورد الحكم إلى عدله ، ومعنى هذا الأمر تضمن الإجابة ، و { اللهم } عند سيبويه منادى ، وكذلك عند الكوفيين ، إلا أنه خالفهم في هذه الميم المشددة . فقال سيبويه : هي عوض من حرف النداء المحذوف إيجازاً ، وهي دلالة على أن ثم ما حذف . وقال الكوفيون : بل هو فعل اتصل بالمكتوبة وهو : أم ، ثم حذفت الهمزة تخفيفاً ، فكأن معنى { اللهم } : بالله أم بفضلك ورحمتك .

و : { فاطر } منادى مضاف ، أي { فاطر السماوات } . و { الغيب } : ما غاب عن البشر . و { الشهادة } : ما شاهدوه .