التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (24)

وقوله - سبحانه - بعد ذلك : { الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل } بدل من قوله - تعالى - : { كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } والمراد بالذين يبخلون : كل من يبخل بما له أو بعمله . . . فكأنه - تعالى - يقول : والله لا يحب الذين يبخلون بما أعطاهم من فضله ، بخلا يجعلهم لا ينفقون شيئا منه فى وجوه الخير ، لأن حبهم لأموالهم جعلهم يمسكونها ويشحون بها شحا شديدا . . . ولا يكنفون بذلك ، بل يأمرون غيرهم بالخبل والشح .

وعلى رأس هؤلاء الذين لا يحبهم الله - تعالى - المنافقون ، فقد كانوا يبخلون بأموالهم عن إنفاق شىء منها فى سبيل الله ، وكانوا يتواصون بذلك فيما بينهم ، فقد قال - سبحانه - فى شأنهم : { هُمُ الذين يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ على مَنْ عِندَ رَسُولِ الله حتى يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السماوات والأرض ولكن المنافقين لاَ يَفْقَهُونَ } وقوله - سبحانه - : { وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ الله هُوَ الغني الحميد } تذييل المقصود به ذم هؤلاء البخلاء على بخلهم .

وجواب الشرط محذوف ، أغنت عنه جملة { فَإِنَّ الله هُوَ الغني الحميد } والغنى : هو الموصوف بالغنى - وهى صفة من صفات الله - عز وجل - إذ هو الغنى غنى مطلقا ، والخلق جميعا فى حاجة إلى عطائه - سبحانه - والحميد : وصف مبالغة من الحمد . والمراد به أنه - تعالى - كثير الحمد والعطاء للمنفقين فى وجوه الخير .

أى : ومن يعرض عن هدايات الله - تعالى - وعن إرشاداته . . . فلن يضر الله شيئا ، فإن الله - تعالى - هو صاحب الغنى المطلق الذى لا يستغنى عن عطائه أحد ، وهو - سبحانه - كثير الحمد والعطاء لمن استجاب لأمره فأنفق مما رزقه الله بدون اختيال أو تفاخر أو أذى .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (24)

الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل بدل من كل مختال فإن المختال بالمال يضن به غالبا أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد لأن معناه ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله غني عنه وعن إنفاقه محمود في ذاته لا يضره الإعراض عن شكره ولا ينفعه التقرب إليه بشكر من نعمه وفيه تهديد وإشعار بأن الأمر بالإنفاق لمصلحة المنفق وقرأ نافع وابن عامر فإن الله الغني .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (24)

اختلف النحاة في إعراب : { الذين } فقال بعضهم : هم في موضع رفع على الابتداء ، والخبر عنهم محذوف معناه الوعيد والذم ، وحذفه على جهة الإبهام كنحو حذف الجواب في قوله تعالى : { ولو أن قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض } الآية{[10986]} [ الرعد : 32 ] ، وقال بعضهم : هم رفع على خبر الابتداء تقديره هم الذين { يبخلون } . وقال بعضهم في موضع نصب صفة ل { كل } [ الحديد : 23 ] ، لأن كلاًّ وإن كان نكرة فهو يخصص نوعاً ما فيسوغ لذلك وصفه بالمعرفة ، وهذا مذهب الأخفش . و : { يبخلون } معناه : بأموالهم وأفعالهم الحسنة من إيمانهم وغير ذلك .

وقوله تعالى : { ويأمرون الناس } يحتمل أن يصفهم بحقيقة الأمر بألسنتهم ، ويحتمل أن يريد أنهم يقتدى بهم في البخل فهم لذلك كأنهم يأمرون .

وقرأ الحسن : «بالبَخَل » بفتح الباء والخاء . وقرأ جمهور القراء وأهل العراق : «فإن الله هو الغني الحميد » بإثبات : «هو » ، وكذلك في «إمامهم » . وقرأ نافع وابن عامر : «فإن الله الغني الحميد » بترك «هو » ، وهي قراءة أهل المدينة ، وكذلك في «إمامهم » ، وهذا لم يثبت قراءة إلا وقد قرئ على النبي صلى الله عليه وسلم بالوجهين . قال أبو علي ، ف «هو » في القراءة التي ثبت فيها يحسن أن يكون ابتداء ، لأن حذف الابتداء غير سائغ .


[10986]:من الآية(31) من سورة(الرعد).