التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَٰقَوۡمِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا وَيَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ وَلَا تَتَوَلَّوۡاْ مُجۡرِمِينَ} (52)

ثم أرشدهم إلى ما يؤدى إلى زيادة غناهم وقوتهم ، وحذرهم من سوء عاقبة البطر والأشر فقال : { وياقوم استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ } .

والاستغفار : طلب المغفرة من الله - تعالى - وعدم المؤاخذة على الخطايا :

والتوبة : العزم على الإِقلاع عن الذنب ، مع الندم على ما حصل منه فى الماضى .

أى : ويا قوم استغفروا ربكم مما فرط منكم من شرك وعصيان ، ثم عودوا إليه بالتوبة الصادقة النصوح .

وثم هنا للترتيب الرتبى ، لأن الإِقلاع عن الذنب مع المداومة على ذلك : مقدم على طلب المغفرة .

وجملة { يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } جواب الأمر فى قوله { استغفروا } .

والمراد بالسماء هنا السحاب أو المطر ، تسمية للشئ باسم مصدره .

ومدرارا : مأخوذ من الدر أى : سيلان اللبن وكثرته . ثم استعير للمطر الغزير يقال : درت السماء بالمطر تدر وتدر درا . . . إذا كثر نزول المطر منها .

وهو حال من السماء ، ولم يؤنث مع أنه حال من مؤنث ، باعتبار أن المراد بالسماء هنا المطر أو السحاب .

والمعنى : أن هودا - عليه السلام - قال لقومه يا قوم اعبدوا الله واستغفروه وتوبوا إليه . . فإنكم إن فعلتم ذلك أرسل الله - تعالى - عليكم المطر غزيرا متتابعا فى أوقات حاجتكم إليه ؛ لتشربوا منه وتسقوا به دوابكم وزروعكم .

وجملة { وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ } معطوفة على ما قبلها .

أى : وأيضا إن فعلتم ذلك زادكم الله - تعالى - عزا إلى عزكم ، وزيادة القوة ، لأنهم كانوا أصحاب زروع وبساتين وعمارات . وقيل : " حبس الله عنوهم المطر وأعقم أرحام نسائهم ثلاث سنين ، فوعدهم هود على الاستغفار والتوبة كثرة الأمطار ، ومضاعفة القوة بالتناسل . . " ثم حذرهم من مقابلة نعم الله بالكفر والجحود فقال : { وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ } والتولى : هو الإِعراض عن الشئ بإصرار وعناد .

أى : ولا تتولوا عما دعوتكم إليه وأنتم مصرون على ما أنتم عليه من إجرام وجحود وعناد .

وإلى هنا يكون هود - عليه السلام - قد وضح لقومه دعوته ، ورغبهم فى الاستجابة لها ، وحذرهم من الإِعراض عنها ، وناداهم بلفظ - يا قوم - ثلاث مرات ، توددوا إليهم ، وتذكيرا لهم بآصرة القرابة التى تجمعهم وإياه .

لعل ذلك يستثير مشاعرهم ، ويحقق امطئنانهم إليه ، فإن الرائد لا يكذب أهله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيَٰقَوۡمِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا وَيَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ وَلَا تَتَوَلَّوۡاْ مُجۡرِمِينَ} (52)

{ ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه } اطلبوا مغفرة الله بالأيمان ثم توسلوا إليها بالتوبة وأيضا التبري من الغير إنما يكون بعد الإيمان بالله والرغبة فيما عنده . { يُرسل السماء عليكم مدرارا } كثير الدر . { ويزدكم قوة إلى قوتكم } ويضاعف قوتكم ، وإنما رغبهم بكثرة المطر وزيادة القوة لأنهم كانوا أصحاب زروع عمارات . وقيل حبس الله عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم ثلاثين سنة فوعدهم هود عليه السلام على الإيمان والتوبة بكثرة الأمطار وتضاعف القوة بالتناسل . { ولا تتولّوا } ولا تعرضوا عما أدعوكم إليه . { مجرمين } مصرين على إجرامكم .