التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَّعَنَهُ ٱللَّهُۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنۡ عِبَادِكَ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا} (118)

وقوله { لَّعَنَهُ الله } صفة ثانية : أى : طرده من حرمته طردا مقترنا بسخط وغضب .

ثم حكى - سبحانه - أن الشيطان قد أقسم بأنه لن يكف عن إبعاد بنى آدم عن طريق الحق فقال : { وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } .

أى : أن الشيطان قال مؤكدا ومقسما لأتخذن عن عبادك الذين هم من ذرية آدم ، نصيبا مفروضا . أى : لأجعلن لى منهم مقدارا معينا قليلا كان أو كثيرا ، وهم الين سأصرفهم عن الطريق الحق ، وسأجعلهم خاضعين لوسوستى ومنقادين لأمرى . وقوله { لأَتَّخِذَنَّ } من الاتخاذ وهو أخذ الشئ على جهة الاختصاص . وقوله { مَّفْرُوضاً } من الفرض بمعنى القطع . وأطلق هنا على العدد المعين من الناس لاقتطاعه عن سواه من صالحى المؤمنين . فكل من أطاع الشيطان من بنى آدم فهو نصيبه المقطوع منهم له .

وجملة { وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } معطوفة على الجملة المتقدمة عليها . أى : أن هؤلاء المشركين ما يطيعون فى عبادتهم لغير الله إلا شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله - تعالى - له ، وبين هذا القول الشنيع الصادر منه عند اللعن .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّعَنَهُ ٱللَّهُۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنۡ عِبَادِكَ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا} (118)

{ لعنه الله } صفة ثانية للشيطان . { وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا } عطف عليه أي شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله ، وهذا القول الدال على فرط عداوته للناس .

وقد برهن سبحانه وتعالى أولا على أن الشرك ضلال في الغاية على سبيل التعليل ، بأن ما يشركون به ينفعل ولا يفعل فعلا اختياريا ، وذلك ينافي الألوهية غاية المنافاة ، فإن الإله ينبغي أن يكون فاعلا غير منفعل ، ثم استدل عليه بأنه عبادة الشيطان وهي أفظع الضلال لثلاثة أوجه . الأول : أنه مريد منهمك في الضلال لا يعلق بشيء من الخير والهدى ، فتكون طاعته ضلالا بعيدا عن الهدى . والثاني : أنه ملعون لضلاله فلا تستجلب مطاوعته سوى الضلال واللعن . والثالث : أنه في غاية العداوة والسعي في إهلاكهم وموالاة من هذا شأنه غاية الضلال فضلا عن عبادته . والمفروض المقطوع أي نصيبا قدر لي وفرض من قولهم فرض له في العطاء .