التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا} (115)

ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة الذين يسيرون فى طريق الباطل ، ويتركون طريق الحق فقال - تعالى - : { وَمَن يُشَاقِقِ الرسول مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين نُوَلِّهِ مَا تولى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } .

وقوله { يُشَاقِقِ } من المشاقة بمعنى المعاداة والمخالفة المقصودة . وهى من الشق لأن المخالف كأن يختار شقا يكون فيه غير شق الآخر .

فقوله { وَمَن يُشَاقِقِ الرسول } أى : من يخالفه ويعاديه .

وقوله { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهدى } أى يخالفه ويعاديه من بعد ما اتضح له الحق ، وقام لديه الدليل على صحة دين الإِسلام .

وقوله { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين } معطوف على يشاقق . أى : وتبع طريقا غير طريق الإِسلام التى سار فيها المؤمنون ، واعتقدوا صحتها وسلامتها من كل سوء . من يفعل ذلك . نوله ما تولى ، أن نجعله - كما يقول الآلوسى والياً لما تولاه من الضلال . أو نخل بينه وبين ما اختاره لنفسه من الضلال فى الدنيا . أو نكله فى الآخرة إلى ما اتكل عليه فى الدنيا وانتصر به من الأوثان وغيرها .

قال صاحب المنار : والذى أريد توجيه الأذهان إلى فهمه هو أن هذه الجملة مبينة لسنة الله - تعالى - فى عمل الإِنسان . ومقدار ما أعطيه من الإِرادة والاستقلال والعمل بالاختيار . فالوجهة التى يتولاها فى حياته ، والغاية التى يصدها عن عمله ، يوليه الله إياها ويوجهه إليها . أى : يكون بحسب سنته - تعالى - واليا لها وسائر على طريقها . فلا يجد من القدرة الإِلهية ما يجبره على ترك ما اختار لنفسه . ولو شاء - سبحانه - لهدى الناس أجمعين بخلقهم على حالة واحدة فى الطاعة كالملائكة ، ولكنه شاء أن يخلقهم على ما نراهم عليه الآن من تفاوت فى الاستعداد والإِدراك وعمل كل فرد بحسب ما يرى أنه خير له وأنفع فى عاجله أو آجله أو فيهما وقوله { وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } وعيد شديد لأولئك المخالفين لطريق الحق . وأصل الصلى : إيقاد النار ولزومها وقت الاستدفاء . يقال صلى بالنار أى : بلى بها . وصليت الشاة : شويتها وهى مصلية .

والمعنى : ومن يخالف طريق الحق نوله ما تولى وندخله فى الآخرة جهنم ليشوى فيها كما تشوى الشاة ، وساءت جهنم مكانا لمن صار إليها ، وحل فيها .

قال ابن كثير : والذى عول عليه الشافعى يرحمه الله - فى الاحتجاج على كون الإِجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة بعد التروى والفكر الطويل . وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها . وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة على ذلك .

وبهذا نرى أن الآيتين الكريمتين قد بشرتا من يفعل الخير ابتغاء مرضاه الله بالأجر العظيم ، وأنذرتا من يخالف طريق أهل الحق بالعذاب الأليم ، { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ويحيى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ الله لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ }

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا} (115)

{ ومن يشاقق الرسول } يخالفه ، من الشق فإن كلا من المتخالفين في شق غير شق الآخر . { من بعد ما تبين له الهدى } ظهر له الحق بالوقوف على المعجزات . { ويتبع غير سبيل المؤمنين } غير ما هم عليه من اعتقاد أو عمل . { نوله ما تولى } نجعله واليا لما تولى من الضلال ، ونخل بينه وبين ما اختاره . { ونصله جهنم } وندخله فيها . وقرئ بفتح النون من صلاة . { وساءت مصيرا } جهنم ، والآية تدل على حرمة مخالفة الإجماع ، لأنه سبحانه وتعالى رتب الوعيد الشديد على المشاقة واتباع غير سبيل المؤمنين ، وذلك إما لحرمة كل واحد منهما أو أحدهما أو الجمع بينهما ، والثاني باطل إذ يقبح أن يقال من شرب الخمر وأكل الخبز استوجب الحد ، وكذا الثالث لأن المشاقة محرمة ضم إليها غيرها أو لم يضم ، وإذا كان اتباع غير سبيلهم محرما كان اتباع سبيلهم واجبا ، لأن ترك اتباع سبيلهم ممن عرف سبيلهم اتباع غير سبيلهم ، وقد استقصيت الكلام فيه في مرصاد الأفهام إلى مبادئ الأحكام .