التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞يَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (171)

وقوله { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ وَأَنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المؤمنين } استئناف مبين لما هم عليه من سرور يتعلق بذواتهم . بعد أن بين - سبحانه - سرورهم بحال الذين لم يلحقوا بهم .

والمعنى أن هؤلاء الشهداء يستبشرون بحال إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم . كما أنهم يستبشرون ايضاً لأنفسهم بسبب ما أنعم الله به عليهم من نعم جزيلة وبسبب ما تفضل به عليهم من زيادة الكرامة ، وسمو المنزلة .

وهذا يدل على أن هؤلاء الشهداء لا يهتمون بشأن أنفسهم فقط . وإنما يهتمون أيضا بأحوال إخوانهم الذين تركوهم فى الدنيا ، وفى ذلك ما فيه من صفاء نفوسهم ، وطهارة قلوبهم ، حيث أحبوا الخير لغيرهم كما أحبوه لأنفسهم ، بل إن تقديم استبشارهم بحال إخوانهم على استبشارهم بما يتعلق بأنفسهم ليشعر بأن اهتمامهم بحال إخوانهم أشد من اهتمامهم بحال أنفسهم .

ويرى بعضهم أن الضمير فى قوله { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ } يعود على الذين لم يلحقوا بهم فتكون جملة { يَسْتَبْشِرُونَ } حالا من الذين لم يلحقوا بهم . وعليه يكون المعنى : أن هؤلاء الذين لم يلحقوا بهم لا خوف عليهم ولا حزن ، فهم مستبشرون بنعمة من الله وفضل . . . " .

وقوله { وَأَنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المؤمنين } معطوف { نِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ } ، وهذا على قراءة الجمهور بفتح همزة أن على معنى وبأن .

وقرأ الكسائى " وإن الله لا يضيع أجر المؤمنين " ، بكسر همزة إن على الاستئناف والمقصود من الآية الكريمة بيان أن كل مؤمن يخاف مقام ربه وينهى نفسه عن الهوى ، ويجاهد فى سبيل إعلاء كلمة الله فإن الله - تعالى - لا يضيع شيئا من أجره ، بل يعطيه من الجزاء الحسن - بفضله وإحسانه - أكثر مما يستحق .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞يَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (171)

ثم قال : { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } قال محمد بن إسحاق : استبشروا وسُرّوا لما عاينوا من وفاء الموعود وجزيل الثواب .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هذه الآية جمعت المؤمنين كلهم ، سواء الشهداء وغيرهم ، وقَلَّما ذكر الله فضلا ذكر{[6181]} به الأنبياء وثوابا أعطاهم إلا ذكر ما أعطى الله المؤمنين من بعدهم .


[6181]:في جـ، ر: "ذكرته".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞يَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (171)

{ يستبشرون } كرره للتأكيد وليعلق به ما هو بيان لقوله : { ألا خوف عليهم } ويجوز أن يكون الأول بحال إخوانهم وهذا بحال أنفسهم . { بنعمة من الله } ثوابا لأعمالهم . { وفضل } زيادة عليه كقوله تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } وتنكيرهما للتعظيم . { وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين } من جملة المستبشر به عطف على فضل . وقرأ الكسائي بالكسر على أنه استئناف معترض دال على أن ذلك أجر لهم على إيمانهم مشعر بأن من لا إيمان له أعماله محبطة وأجوره مضيعة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞يَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (171)

ثم أكد تعالى استبشارهم بقوله : { يستبشرون بنعمة } ثم بين تعالى بقوله : { وفضل } فوقع إدخاله إياهم الجنة الذي هو فضل منه لا بعمل أحد ، وأما النعمة في الجنة والدرجات فقد أخبر أنها على قدر الأعمال ، وقرأ الكسائي وجماعة من أهل العلم : » وإن الله «- بكسر الألف من » أن « ، وقرأ باقي السبعة وجمهور العلماء : » وأن الله «- بفتح الألف ، فمن قرأ بالفتح فذلك داخل فيما يستبشر به ، المعنى ، بنعمة وبأن الله ، ومن قرأ بالكسر فهو إخبار مستأنف ، وقرأ عبد الله < وفضل والله لا يضيع > .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞يَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (171)

ضمير { يستبشرون بنعمة من الله } يجوز أن يعود إلى الذين لم يلحقوا بهم فتكون الجملة حالاً من الذين لم يلحقوا بهم أي لا خوف عليهم ولا حزن فهم مستبشرون بنعمة من الله ، ويحتمل أن يكون تكريراً لقوله : { ويستبشرون بالذين لم يلحقوا } والضمير ل { الذين قُتِلوا في سبيل الله } ، وفائدة التكرير تحقيق معنى البشارة كقوله : { ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا } [ القصص : 63 ] فكرّر أغويناهم ، ولأنّ هذا استبشار منه عائد لأنفسهم ، ومنه عائد لرفاقهم الذين استجابوا لله من بعد القرح ، والأولى عائدة لإخوانهم . والنعمة : هي ما يكون به صلاح ، والفضل : الزيادة في النعمة .

وقوله : { وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين } قرأه الجمهور بفتح همزة ( أنّ ) على أنه عطف على { نعمةٍ من الله وفضلٍ } ، والمقصود من ذلك تفخيم ما حصل لهم من الاستبشار وانشراح الأنفس بأنْ جمع الله لهم المسرّة الجثمانية الجزئية والمسرّة العقليّة الكلية ، فإنّ إدراك الحقائق الكلية لذّة روحانية عظيمة لشرف الحقائق الكلية وشرف العلم بها ، وحصول المسرّة للنفس من انكشافها لها وإدراكها ، أي استبشروا بأنّ عَلِموا حقيقة كليّة وسرّاً جليلاً من أسرار العِلم بصفات الله وكمالاته ، التي تعمّ آثارها ، أهل الكمال كلَّهم ، فتشمل الذين أدركوها وغيرهم ، ولولا هذا المعنى الجليل لم يكن داع إلى زيادة { وأن الله لا يضيع أجرالمؤمنين } إذ لم يحصل بزيادته زيادةُ نعمة وفضل للمستبشرين مِن جنس النعمة والفضل الأولين ، بل حصلت نعمة وفضل آخران .

وقرأه الكسائي بكسر همزة ( إنّ ) على أنه عطف على جملة { يستبشرون } في معنى التذييل فهو غير داخل فيما استبشر به الشهداء . ويجوز أن تكون الجملة على هذا الوجه ابتداء كلام ، فتكون الواو للاستئناف .