ثم يسوق - سبحانه - فى أواخر السورة ما من شأنه أن يهدى الضالين إلى الصراط المستقيم ، وما يرشدهم إلى مظاهر نعمه عليهم ، وما يزيد النبى صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ثباتاً على ثباته ، ويقيناً على يقينة ، فيقول - عز وجل - { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا . . . إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ } .
والاستفهام فى قوله - تعالى - : { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا . . . } لإِنكار عدم اهتدائهم إلى ما ينفعهم مع وضوح أسباب هذا الاهتداء . والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام . والخطاب للمشركين وعلى رأسهم كفار مكة . و " كم " خبرية بمعنى كثير . فى محل نصب لأهلكنا .
والمعنى : أغفل هؤلاء المشركون عما أصاب الظالمين من قبلهم ، ولم يتبين لهم - لانطماس بصائرهم - أننا قد أهلكنا كثيراً من أهل الأزمان السابقة من قبلهم ، بسبب تكذيبهم لأنبيائهم ، وإيثارهم الكفر على الإِيمان .
وقوله - تعالى - { يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ } حال من الضمير فى { لَهُمْ } ، لتسجيل أقصى أنواع الجهالة والعناد عليهم . أى : أبلغ بهم الجهل والعناد أنهم لم يعتبروا بالقرون المهلكة من قبلهم ، مع أنهم يمشون فى مساكن هؤلاء السابقين ، ويمرون على ديارهم مصبحين وممسين ، ويرون بأعينهم آثارهم الدارسة ، وبيوتهم الخاوية على عروشها .
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بما يزيد فى تبكيتهم وتقريعهم فقال : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } .
أى : إن فى ذلك الذى يرونه من مصارع الغابرين ، وآثار الماضين ، لآيات بينات ، وعظات بليغات ، فهلا تدبروا فى ذلك ، واستمعوا إلى صوت الحق بتعقل وتفهم ؟
فقوله - تعالى - : { أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } حض لهم على الاستماع إلى الآيات الدالة على سوء عاقبة الظالمين ، بتدبر وتعقل واتعاظ ، وتحول من الباطل إلى الحق ، قبل أن يحل بهم ما حل بأهل الأزمنة الغابرة .
يقول تعالى : أولم يهد لهؤلاء المكذبين بالرسل ما أهلك الله قبلهم من الأمم الماضية ، بتكذيبهم الرسل ومخالفتهم إياهم فيما جاؤوهم به من قويم السبل ، فلم يبق منهم باقية ولا عين ولا أثر ؟ { هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا } [ مريم : 98 ] ؛ ولهذا قال : { يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ } أي : وهؤلاء المكذبون يمشون في مساكن أولئك المكذبين فلا يرون فيها أحدا ممن كان يسكنها ويعمرها ، ذهبوا منها ، { كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا } [ الأعراف : 92 ] ، كما قال : { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا } [ النمل : 52 ] ، وقال : { فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ . أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [ الحج : 45 ، 46 ] ؛ولهذا قال هاهنا : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ } أي : إن في ذهاب أولئك القوم ودَمَارهم وما حل بهم بسبب تكذيبهم الرسل ، ونجاة من آمن بهم ، لآيات وعبرا ومواعظ ودلائل{[23159]} متظاهرة .
{ أَفَلا يَسْمَعُونَ } أي : أخبار من تقدم ، كيف كان أمرهم ؟ .
{ أو لم يهد لهم } الواو للعطف على منوي من جنس المعطوف والفاعل ضمير ما دل عليه . { كم أهلكنا من قبلهم من القرون } أي كثرة من أهلكناهم من القرون الماضية ، أو ضمير الله بدليل القراءة بالنون . { يمشون في مساكنهم } يعني أهل مكة يمرون في متاجرهم على ديارهم ، وقرئ " يمشون " بالتشديد . { إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون } سماع تدبر واتعاظ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.