ثم بين - سبحانه - عاقبة من هذه صفاتهم فقال : { أولئك جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ العاملين } .
أى : أولئك الموصوفون بتلك الصفات السابقة من الإنفاق فى السراء والضراء ، وكظم الغيظ ، والعفو عن الناس . . إلخ { أولئك جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ } تستر ذنوبهم ، وتمسح خطاياهم .
وفى الإشارة إليهم بأولئك الدالة على البعد ، إشعار بعلو منزلتهم فى الفضل ، وسمو مكانتهم عند الله - تعالى - .
وقوله { وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } معطوف على { مَّغْفِرَةٌ } أى لهم بجانب هذه المغفرة جنات تجرى من تحت أشجارها وثمرها الأنهار .
وقوله { خَالِدِينَ فِيهَا } حال مقدرة من الضمير المجرور فى { جَزَآؤُهُمْ } لأنه مفعول به فى المعنى ، إذ هو بمعنى أولئك يجزيهم الله - تعالى - جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها . فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وعد أصحاب هذه الصفات بأمور ثلاثة .
وعدهم بغفران ذنوبهم وهذا منتهى الآمانى والآمال .
ووعدهم بإدخالهم فى جناته التى يتوفر لهم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين .
ووعدهم بالخلود فى تلك الجنات حتى يتم لهم السرور والحبور .
وقوله - تعالى - { وَنِعْمَ أَجْرُ العاملين } تذييل قصد به مدح ما أعد لهم من جزاءن حتى يرغب فى تحصيله العقلاء .
والمخصوص بالمدح محذوف أى ونعم أجر العاملين هذا الجزاء الذى وعدهم الله به مغفرة وجنات خالدين فيها .
وبذلك نرى السورة الكريمة قبل أن تفصل الحديث عن عزوة أحد ، قد ذكرت المؤمنين بطرف مما حدث من بعضهم فيها ، وبالنتائج الطيبة التى حصلوا عليها من غزوة بدر ، ثم أمرتهم بتقوى الله ، وبالمسارعة إلى الأعمال الصالحة التى توصلهم إلى رضاه .
ثم قال تعالى - بعد وصفهم بما وصفهم به - : { أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ } أي : جزاؤهم على هذه الصفات مغفرة من الله{[5771]} وجنات { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } أي : من أنواع المشروبات { خَالِدِينَ فِيهَا } أي : ماكثين فيها { وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } يمدح تعالى الجنة .
{ أُوْلََئِكَ جَزَآؤُهُمْ مّغْفِرَةٌ مّن رّبّهِمْ وَجَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }
يعني تعالى ذكره بقوله : أولئك الذين ذكر أنه أعدّ لهم الجنة التي عرضها السموات والأرض من المتقين ، ووصفهم به ، ثم قال : هؤلاء الذين هذه صفتهم { جَزَاؤُهُمْ } يعني ثوابهم من أعمالهم التي وصفهم تعالى ذكره أنهم عملوها ، { مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبّهِمْ } يقول : عفو لهم من الله عن عقوبتهم على ما سلف من ذنوبهم ، ولهم على ما أطاعوا الله فيه من أعمالهم بالحسن منها جنات ، وهي البساتين { تَجْري مِنْ تَحْتها الأنْهارُ } يقول : تجري خلال أشجارها الأنهار ، وفي أسافلها جزاء لهم على صالح أعمالهم ، { خَالِدينَ فيها } يعني دائمي المقام في هذه الجنات التي وصفها ، { ونِعْمَ أجْرُ العَامِلينَ } يعني ونعم جزاء العاملين لله الجنات التي وصفها كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { أُولَئِكَ جَزَاؤْهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبّهِمْ وَجَنّاتٌ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أجْرُ العامِلِينَ } : أي ثواب المطيعين .
ثم شرك تعالى الطائفتين المذكورتين في قوله { أولئك جزاؤهم } الآية ، وهذه تؤذن بأن الله تعالى أوجب على نفسه بهذا الخبر الصادق قبول توبة التائب ، وليس يجب عليه تعالى من جهة العقل شيء ، بل هو بحكم الملك لا معقب لأمره ، وقوله : { ونعم أجر العاملين } بمنزلة قوله : ونعم الأجر ، لأن نعم وبئس تطلب الأجناس المعرفة أو ما أضيف إليها وليست هذه الآية بمنزلة قوله تعالى : { ساء مثل القوم }{[3549]} لأن المثل هنا أضيف إلى معهود لا إلى جنس ، فلذلك قدره أبو علي : ساء المثل مثل القوم ، ويحتمل أن يكون مثل القوم مرتفعاً «بساء » ولا يضمر شيء .
استئناف للتنويه بسداد عملهم : من الاستغفار ، وقبول الله منهم .
وجيء باسم الإشارة لإفادة أنّ المشار إليهم صاروا أحرياء بالحكم الوارد بعد اسم الإشارة ، لأجل تلك الأوصاف الَّتي استوجبوا الإشارة لأجلها .
وهذا الجزاء وهو المغفرة وعد من الله تعالى ، تفضّلا منه : بأن جعل الإقلاع عن المعاصي سبباً في غفران ما سلف منها . وأمَّا الجنّات فإنَّما خلصت لهم لأجل المغفرة ، ولو أخذوا بسالف ذنوبهم لما استحقّوا الجنَّات فالكلّ فضل منه تعالى .
وقوله : { ويعم أجر العالمين } تذييل لإنشاء مدح الجزاء . والمخصوص بالمدح محذوف تقديره هو . والواو للعطف على جملة { جزاؤهم مغفرة } فهو من عطف الإنشاء على الإخبار ، وهو كثير في فصيح الكلام ، وسمِّي الجزاء أجراً لأنَّه كان عن وعد للعامل بما عمل . والتَّعريف في ( العاملين ) للعهد أي : ونعم أجر العاملين هذا الجزاء ، وهذا تفضيل له والعمل المجازي عليه أي إذا كان لأصناف العاملين أجور ، كما هو المتعارف ، فهذا نعم الأجر لعامل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.