ثم ساق - سبحانه - جانبا من قصة شعيب وهود وصالح - عليهم السلام - مع أقوامهم ، وكيف أن هؤلاء الأقوام قد كانت عاقبتهم خسرا ، بسبب تكذيبهم لأنبيائهم فقال - تعالى - : { وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً . . . أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } .
قوله - سبحانه - : { وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً . . . } معطوف على مقدر محذوف ، لدلالة ما قبله عليه . ومدين : اسم للقبيلة التى تنسب إلى مدين بن إبراهيم - عليه السلام - . وكانوا يسكنون فى المنطقة التى تسمى معان بين حدود الحجاز والشام .
وقد أرسل الله - تعالى - إليهم شعيبا - عليه السلام - ليأمرهم بعبادة الله - تعالى - وحده ، ولينهاهم عن الرذائل التى كانت منتشرة فيهم ، والتى من أبرزها التطفيف فى المكيال والميزان .
والمعنى : وكما أرسلنا نوحا إلى قومه ، وإبراهيم إلى قومه ، أرسلنا إلى أهل مدين ، ورسولنا شعيبا - عليه السلام - .
{ فَقَالَ ياقوم اعبدوا الله } أى : فقال لهم ناصحا ومرشدا ، الكلمة التى قالها كل نبى لأمته : يا قوم اعبدوا الله - تعالى - وحده ، واتركوا ما أنتم عليه من شرك .
وقال لهم - أيضا : وارجوا النجاة من أهوال يوم القيامة ، بأن تستعدوا له بالإِيمان والعمل الصالح ، ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ، فإن الإِفساد فى الأرض ليس من شأن العقلاء ، وإنما هو من شأن الجهلاء الجاحدين لنعم الله - تعالى - . يقال : عَثِى فلان فى الأرض يعثو ويعثى - كقال وتعب - ، إذا ارتكب اشد أنواع الفساد فيها .
يخبر تعالى عن عبده ورسوله شعيب عليه السلام ، أنه أنذر قومه أهل مَدين ، فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له ، وأن يخافوا بأس الله ونقمته وسطوته يوم القيامة ، فقال : { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ } .
قال ابن جرير : قال بعضهم : معناه : واخشوا اليوم الآخر ، وهذا كقوله تعالى : { لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ } [ الممتحنة : 6 ] .
ثم نهاهم عن العيث في الأرض بالفساد ، وهو السعي فيها والبغي على أهلها ، وذلك أنهم كانوا ينقصون المكيال والميزان ، ويقطعون الطريق على الناس ، هذا مع كفرهم بالله ورسوله ، فأهلكهم الله برجفة عظيمة زلزلت عليهم بلادهم ، وصيحة أخرجت القلوب من حناجرها{[22580]} . وعذاب يوم الظلة الذي أزهق الأرواح من مستقرها ، إنه كان عذاب يوم عظيم . وقد تقدمت قصتهم مبسوطة في سورة " الأعراف ، وهود ، والشعراء " .
وقوله : { فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } ، قال قتادة : ميتين . وقال غيره : قد ألقي بعضهم على بعض .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِلَىَ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَارْجُواْ الْيَوْمَ آلاَخِرَ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وأرسلت إلى مَدْين أخاهم شعيبا ، فقال لهم : يا قوم اعبدوا الله وحده ، وذِلّوا له بالطاعة ، واخضعوا له بالعبادة وَارْجُوا اليَوْمَ الاَخِرَ يقول : وارجوا بعبادتكم إياي جزاءَ اليوم الاَخر ، وذلك يوم القيامة وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ يقول : ولا تكثرِوا في الأرض معصية الله ، ولا تقيموا عليها ، ولكن توبوا إلى الله منها وأنيبوا .
وقد كان بعض أهل العلم بكلام العرب يتأوّل قوله : وَارْجُوا اليَوْمَ الاَخِرَ بمعنى : واخشَوُا اليوم الاَخر . وكان غيره من أهل العلم بالعربية يُنكر ذلك ويقول : لم نجد الرجاء بمعنى الخوف في كلام العرب إلاّ إذا قارنه الجَحْد .
عطف على { ولوطاً } [ العنكبوت : 28 ] المعطوف على { نوحاً } [ العنكبوت : 14 ] المعمول ل { أرسلنا } [ العنكبوت : 14 ] . فالتقدير : وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيباً .
والمناسبة في الانتقال من قصة لوط وقومه إلى قصة مدين ورسولهم أن مدين كان من أبناء إبراهيم وأن الله أنجاه من العذاب كما أنجى لوطاً .
وتقديم المجرور في قوله { إلى مدين } ليتأتى الإيجاز في وصف شعيب بأنه أخوهم لأن هذا الوصف غير موجود في نوح وإبراهيم ولوط . وتقدم معنى كونه أخاً لهم في سورة هود .
وقوله { فقال } عطف على الفعل المقدر ، أي أرسلناه فعقب إرساله بأن قال .
والرجاء : الترقب واعتقاد الوقوع في المستقبل . وأمره إياهم بترقب اليوم الآخر دل على أنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث وتقدم الكلام على نظير قوله { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } عند قوله تعالى { كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين } في سورة البقرة ( 60 ) . وتقدمت قصة شعيب في سورة هود .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.