فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗا فَقَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱرۡجُواْ ٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ} (36)

{ وإلى مدين } هو اسم رجل ، قيل : اسم المدينة ، فعلى الأول المعنى وأرسلنا إلى مدين وأولاده ؛ وعلى الثاني : أرسلنا على أهل مدين { أخاهم شعيبا } قد تقدم ذكره ، وذكر نسبه ، وذكر قومه في سورة الأعراف وسورة هود ، وأضيف شعيب هنا إليهم بخلافه في قصة نوح وإبراهيم ولوط حيث ذكر قوم مؤخرا عنهم ، معرفا بالإضافة إلى ضمير كل واحد منهم ، لأن الأصل في جميع المواضع أن يذكر القوم ثم يذكر رسولهم لأن الله لا يبعث رسولا إلى غير معين .

غير أن قوم نوح وإبراهيم ولوط لم يكن لهم اسم خاص ولا نسبة مخصوصة يعرفون بها فعرفوا بالإضافة لنبيهم ، فقيل : قوم نوح ، وقوم لوط ، وقوم إبراهيم ، وأما قوم شعيب ، وهود وصالح ، فكان لهم نسب معلوم اشتهروا به عند الناس ، فجرى الكلام على أصله ، فقال : وإلى مدين أخاهم شعيبا ، وإلى عاد أخاهم هودا ذكره الرازي .

{ فقال : يا قوم اعبدوا الله } أي : أفردوه بالعبادة وخصوه بها ، ولم يذكر عن لوط أنه أمر قومه بالعبادة والتوحيد ، وذكر عن غيره ذلك لأن لوطا كان في زمن إبراهيم ، وإبراهيم سبقه بذلك حتى اشتهر الأمر بالتوحيد عند الخلق وإنما ذكر عنه ما اختص به من النهي عن الفاحشة وأما غيره فجاءوا في زمن غير مشتهر بالتوحيد ؛ فأمروا به .

{ وارجوا اليوم الآخر } أي : توقعوه وافعلوا اليوم من الأعمال ما يدفع عذابه عنكم ، قال يونس النحوي : معناه اخشوا الآخرة التي فيها الجزاء على الأعمال وخافوه { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } حال مؤكدة لعاملها ، والعثو ، والعثي أشد الفساد ، وقد تقدم تفسيره .