روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗا فَقَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱرۡجُواْ ٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ} (36)

{ وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا } أي من القرية على ما عليه الأكثر { ءايَةً بَيّنَةً } قال ابن عباس : هي آثار ديارها الخربة ، وقال مجاهد : هي الماء الأسود على وجه الأرض ، وقال قتادة : هي الحجارة التي أمطرت عليهم وقد أدركتها أوائل هذه الأمة ، وقال أبو سليمان الدمشقي : هي أن أساسها أعلاها وسقوفها أسفلها إلى الآن ؛ وأنكر ذوو الأبصار ذلك ، وقال الفراء : المعنى تركناها آية كما يقال : إن في السماء آية ويراد أنها آية . وتعقبه أبو حيان بأنه لا يتجه إلا على زيادة { مِنْ } في الواجب نحو قوله :

أمهرت منها جبة وتيساً *** يريد أمهرتها . وقال بعضهم : إن ذلك نظير قولك : رأيت منه أسداً ، وقيل : الآية حكايتها العجيبة الشائعة ، وقيل : ضمير { مِنْهَا } للفعلة التي فعلت بهم والآية الحجارة أو الماء الأسود والظاهر ما عليه الأكثر .

ولا يخفى معنى { مِنْ } على هذه الأقوال { لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي يستعملون عقولهم في الاستبصار والاعتبار ، فالفعل منزل منزلة اللازم و { لِقَوْمٍ } متعلق بتركنا أو ببينة ، واستظهر الثاني هذا ، وفي الآيات من الدلالة على ذم اللواطة وقبحها ما لا يخفى ، فهي كبيرة بالإجماع ، ونصوا على أنها أشد حرمة من الزنا وفي «شرح المشارق » للأكمل أنها محرمة عقلاً وشرعاً وطبعاً ، وعدم وجوب الحد فيها عند الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه لعم الدليل عنده على ذلك لا لخفتها ، وقال بعض العلماء : إن عدم وجوب الحد للتغليظ لأن الحد مطهر ، وفي جواز وقوعها في الجنة خلاف ، ففي الفتح قيل : إن كانت حرمتها عقلاً وسمعاً لا تكون في الجنة وإن كانت سمعاً فقط جاز أن تكون فيها ، والصحيح أنها لا تكون لأن الله تعالى استبعدها واستقبحها فقال سبحانه : { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفاحشة مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّنَ العالمين } [ العنكبوت : 28 ] وسماها خبيثة فقال عز وجل : { كَانَت تَّعْمَلُ الخبائث } [ الأنبياء : 74 ] والجنة منزهة عنها . وتعقب هذا الحموي بأنه لا يلزم من كون الشيء خبيثاً في الدنيا أن لا يكون له وجود في الجنة ألا ترى أن الخمر أم الخبائث في الدنيا ولها وجود في الجنة ، وفيه بحث ، لأن خبث الخمر في الدنيا لإزالتها العقل الذي هو عقال عن كل قبيح وهذا الوصف لا يبقى لها في الجنة ولا كذلك اللواطة . وفي الفتوحات المكية في صفة أهل الجنة أنهم لا أدبار لهم لأن الدبر إنما خلق في الدنيا لخروج الغائط وليست الجنة محلاً للقاذورات ، وعليه فعدم وجودها في الجنة ظاهر ، ولا أظن ذا غيرة صادقة تسمح نفسه أن يلاط به في الجنة سراً أو علناً ، وجواز وقوعها فيها قد ينجر إلى أن تسمح نفسه بذلك أو يجبر عليه وذلك إذا اشتهى أحد أن يلوط به إذ لا بد من حصول ما يشتهيه ، وهذا وإن لم يكن قطعياً في عدم وقوع اللواطة مطلقاً في الجنة إلى أنه يقوي القول بعدم الوقوع فتأمل .