{ والذين سَعَوْا في آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } أى : والذين سعوا فى إبطال آياتنا ، وفى تكذيب رسلنا { مُعَاجِزِينَ } أى مسابقين لنا ، لتوهمهم أننا لا نقدر عليهم ، وأنهم يستطيعون الإِفلات من عقابناز يقال : عاجز فلان فلانا وأعجزه إذا غالبه وسبقه .
{ أولئك } الذين يفعلون ذلك { لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } أى : لهم عذاب من أسوأ أنواع العذاب وأشده ألما وإهانة .
وهكذا نرى الآيات الكريمة بعد ثنائها على الله - تعالى - بما هو أهله ، وبعد إثباتها لعلمه الذى لا يعزب عنه شئ ، وبوعد حكايتها لأقوال المشركين وردها عليهم .
بعد كل ذلك تصرح بأن الحكمة من إتيان الساعة . مجازاة الذين آمنوا وعملوا الصالحات بما يستحقون من ثواب ، ومجازاة الذين كفروا وسعوا فى آيات الله بالقدح فيها وصد الناس عنها . بما يستحقون من عقاب .
{ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } أي : سعوا في الصد عن سبيل الله وتكذيب رسله ، { أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ } أي : لينعم السعداء من المؤمنين ، ويعذب الأشقياء من الكافرين ، كما قال : { لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ } [ الحشر : 20 ] ، وقال تعالى : { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } [ ص : 28 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ سَعَوْا فِيَ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلََئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مّن رّجْزٍ أَلِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : أثبت ذلك في الكتاب ، ليجزي المؤمنين ما وصف ، وليجزي الذين سعوا في آياتنا معاجزين يقول : وكي يثيب الذين عملوا في إبطال أدلتنا وحججنا معاونين ، يحسبون أنهم يسبقوننا بأنفسهم فلا نقدر عليهم أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ يقول : هؤلاء لهم عذاب من شديد العذاب الأليم ويعني بالأليم : الموجع . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَسَعَوْا في آياتِنا مُعَاجِزِينَ : أي لا يعجزون أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ ألِيمٌ قال : الرجز : سوء العذاب ، الأليم : الموجع .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : وَالّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ قال : جاهدين ليهبطوها أو يبطلوها ، قال : وهم المشركون ، وقرأ : لا تَسْمَعُوا لِهَذا القُرآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلّكُمْ تَغْلِبُونَ .
وقوله : { والذين سعوا } عطف على { الذين آمنوا } ، وتقدير الكلام : ليُجزى الذين آمنوا والذين سعوا بما يليق بكل فريق .
والمعنى : أن عالم الإِنسان يحتوي على صالحين متفاوت صلاحهم ، وفاسدين متفاوت فسادهم ، وقد انتفع الناس بصلاح الصالحين واستضروا بفساد المفسدين ، وربما عطل هؤلاء منافع أولئك وهذّب أولئك من إفساد هؤلاء وانقضى كل فريق بما عمل لم يلق المحسن جزاءً على إحسانه ولا المفسد جزاء على إفساده ، فكانت حكمة خالق الناس مقتضية إعلامهم بما أراد منهم وتكليفهم أن يسعوا في الأرض صلاحاً ، ومقتضية ادخار جزاء الفريقين كليهما ، فكان من مقتضاها إحضار الفريقين للجزاء على أعمالهم . وإذ قد شوهد أن ذلك لم يحصل في هذه الحياة علمنا أن بعد هذه الحياة حياة أبدية يقارنها الجزاء العادل ، لأن ذلك هو اللائق بحكمة مرشد الحكماء تعالى ، فهذا مما يدل عليه العقل السليم ، وقد أعلَمَنا خالقُ الخلق بذلك على لسان رسوله ورسله صلى الله عليه وسلم فتوافق العقل والنقل ، وبطل الدَّجْل والدَّخْل .
وجُعل جزاء الذين آمنوا مغفرة ، أي تجاوزُوا عن آثامهم ، ورزقاً كريماً وهو ما يرزقون من النعيم على اختلاف درجاتهم في النعيم وابتداء مدته فإنهم آيلون إلى المغفرة والرزق الكريم .
ووصفَ بالكريم ، أي النفيس في نوعه كما تقدم عند قوله تعالى : { كتاب كريم } في سورة النمل ( 29 ) .
وقوبل { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } ب { الذين سَعوا في آياتنا } لأن السعي في آيات الله يساوي معنى كفروا بها ، وبذلك يشمل عَمل السيئات وهو سيئة من السيئات ، ألا ترى أنه عبر عنهم بعد ذلك بقوله : { وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل } [ سبأ : 7 ] الخ .
ومعنى { سعوا في آياتنا } اجتهدوا بالصد عنها ومحاولة إبطالها ، فالسعي مستعار للجد في فعل ما ، وقد تقدم بيانه عند قوله تعالى : { والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم } في سورة الحج ( 51 ) . وآيات الله هنا : القرآن كما يدل عليه قوله بعد :
و { معاجزين } مبالغة في مُعْجِزين ، وهو تمثيل : شُبِّهت حالهم في مكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بحال من يمشي مشياً سريعاً ليسبق غيره ويعجزه . والعذاب : عذاب جهنم . والرّجز : أسوَأْ العذاب وتقدم في قوله تعالى : { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون } في سورة البقرة ( 59 ) . ومِن } بيانية فإن العذاب نفسه رجز .
وقرأ الجمهور : { معاجزين } بصيغة المفاعلة تمثيلاً لحال ظنهم النجاة والانفلات من تعذيب الله إياهم بإنكارهم البعث والرسالة بحال من يسابق غيره ويعاجزه ، أي يحاول عجزه عن لحاقه .
وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وحده { معجِّزين } بصيغة اسم الفاعل من عجّز بتشديد الجيم ، ومعناه : مثبطين الناس عن اتباع آيات الله ، أو معجزين من آمن بآيات الله بالطعن والجدال .
وقرأ الجمهور : { أليمٍ } بالجر صفة ل { رجز } . وقرأه ابن كثير وحفص ويعقوب بالرفع صفة ل { عذاب } ، وهما سواء في المعنى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.