اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ سَعَوۡ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مِّن رِّجۡزٍ أَلِيمٞ} (5)

قوله : «والِّذِين سَعَوْا » يجوز فيه وجهان :

أظهرهما : أنه مبتدأ و «أولئك » ( و ){[44088]} ما بعده خبره .

والثاني : أنه عطف على الذي قبله أي ويجزي الذين سعوا ويكون «أُولَئِكَ » الذي بعده مستأنفاً و «أُولَئِكَ » الذي قبله وما في خبره معترضاً بين المُتَعَاطِفَيْن{[44089]} .

قوله{[44090]} : { والذين سَعَوْا في آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } أي في إبطال أَدِلَّتِنَا مُعَاجِزِينَ يحسبون أنهم يَفُوتُونَنَا{[44091]} وقد تقدم في الحج قراءتا معاجزين{[44092]} . وعلم أنه تعالى لما بين حال المؤمنين يوم القيامة بين حال الكافرين والمراد بهم الذين كذبوا بآياتنا وقوله : «مُعَاجِزِينَ » أي سَعَوا في إبْطَالِهَا لأن المكذّب آتٍ بإخفاء آياتِ بيناتٍ فيحتاج إلى السعي العظيم والجدّ البليغ ليروّج كَذِبَهُ لعله يُعْجز المتمسك به .

قوله : { أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } قرأ ابنُ كثير وحفصٌ هنا وفي الجاثية{[44093]} ألِيمٌ بالرفع{[44094]} والباقون بالخفض . فالرفع على أنه نعت «لعَذَابِ » والخفض على أنه نعت «لرجزٍ » إلا أن مَكِّيَّا ضعف قراءة الرفع واستبعدها قال : لأن الرّجز هو العذاب فيصير التقدير عذاب أليم من عذاب وهذا المعنى غير ممكن{[44095]} . قال : والاختيار خَفْضُ «أليم » لأنه أصحّ في التقدير والمعنى إذ تقديره لهم عذابٌ من عذابٍ أليم أي هذا الصِّنف من أصناف العذاب ، لأن العذاب بعضه آلم من بعض{[44096]} . وأجيب : بأن الرجز مطلق العذاب فكأنه قيل : لهم هذا الصنف من العذاب من جنس العذاب{[44097]} ، وكأن أبا البقاء لَحَظَ هذا حيث قال : وبالرفع صفة{[44098]} لعذاب ، والرِّجْز مطلق العذاب .

فصل

قال قتادة : الرجز أسوأ{[44099]} العذاب فيكون «مِنْ » لبَيَان الجِنْس كقولك : خَاتَمٌ مِنْ فِضَّةٍ . قال ابن الخطيب : قال هناك{[44100]} : لَهُمْ رِزْقٌ كَريمٌ ولم يقدر بمن التبعيضية فلم يقل : لهم نصيبٌ من رزقٍ ، ولا رزق من جنس كريم ، وقال ههنا «لهم عذابٌ مِن رجزٍ أليم » بلفظة صالحة للتبعيض ، وذلك إشارة إلى سَعَةِ الرحمة وقله الغضب وقال هناك : «لَهُمْ مغَفْرَةٌ » ثم قال : { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [ الأنفال : 4 ] وههنا لم يقل إلا : «لَهُمْ عَذَابٌ » فزادهم هناك الرزق الكريم ، وههنا لم يزدهم على العذاب وفيما قاله نظر ، لقوله تعالى في موضع آخر : { زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العذاب } [ النحل : 88 ] .


[44088]:سقط من (ب).
[44089]:انظر: البحر المحيط 7/259 والدر المصون 4/410.
[44090]:في (ب) فصل بدل من قوله.
[44091]:انظر: تفسير البغوي والخازن 5/282.
[44092]:يقصد قوله عزت حكمته {والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم} الآية 51 وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: معجزين بغير ألف مشددة والباقون بألف . النشر 2/349 والحجة لابن خالويه 290 والسبعة 526 و 439 والإتحاف 316 وإبراز المعاني 606 ومعاني الفراء 2/351 و 352.
[44093]:وهو قوله: {هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم}.
[44094]:الإتحاف 357 والسبعة 526 والمعاني للفراء 2/351 و 352 والنشر 2/349، وانظر أيضا البحر المحيط 7/259 وزاد المسير 6/433.
[44095]:في الكشف متمكن.
[44096]:وفيه الم من هذا الصنف وانظر: الكشف 2/202.
[44097]:قاله شهاب الدين السمين 4/410.
[44098]:انظر: التبيان لأبي البقاء 1063.
[44099]:معالم التنزيل والخازن 5/282.
[44100]:تفسير الرازي 25/242.