التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ} (10)

وقوله : { والسابقون السابقون } هؤلاء هم الصنف الثالث ، وهم الذين سبقوا غيرهم إلى كل قول أو فعل فيه طاعة لله - تعالى - وتقرب إلى جلاله .

والأظهر فى إعراب مثل هذا التركيب ، أنه مبتدأ وخبر ، على عادة العرب فى تكريرهم اللفظ ، وجعلهم الثانى خبرا عن الأول ، ويعنون بذلك أن اللفظ المخبر عنه ، معروف خبره ، ولا يحتاج إلى تعريفه ، كما فى قول الشاعر :

أنا ابو النجم وشعرى شعرى . . . يعنى : أن شعرى هو الذى أتاك خبره ، وانتهى إليك وصفه . .

والمعنى : والسابقون هم الذين اشتهرت أحوالهم . وعرفت منزلتهم ، وبلغت من الرفعة مبلغا لا يفى به إلا الإخبار عنهم بهذا الوصف .

وحذف - سبحانه - المتعلق فى الآية لإفادة العموم ، أى : هم السابقون إلى كل فضل ومكرمة وطاعة . . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ} (10)

وقوله : { وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً } أي : ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف : قوم عن يمين العرش ، وهم الذين خرجوا من شق آدم الأيمن ، ويؤتون كتبهم بأيمانهم ، ويؤخذ بهم ذات اليمين . قال السُّدِّيّ : وهم جمهور أهل الجنة . وآخرون عن يسار العرش ، وهم الذين خرجوا من شق آدم الأيسر ، ويؤتون كتبهم بشمائلهم ، ويؤخذ بهم ذات الشمال ، وهم عامة أهل النار - عياذًا بالله من صنيعهم - وطائفة سابقون بين يديه وهم أخص وأحظى وأقرب من أصحاب اليمين الذين هم سادتهم ، فيهم الرسل والأنبياء والصديقون والشهداء ، وهم أقل عددا من أصحاب اليمين ؛ ولهذا قال : { فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ . وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ . وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } وهكذا قسمهم إلى هذه الأنواع الثلاثة في آخر السورة وقت احتضارهم ، وهكذا ذكرهم في قوله تعالى : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ } الآية [ فاطر : 32 ] ، وذلك على أحد القولين في الظالم لنفسه كما تقدم بيانه .

قال سفيان الثوري ، عن جابر الجعفي ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله : { وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً } قال : هي التي في سورة الملائكة : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ } .

وقال ابن جُرَيْج عن ابن عباس : هذه الأزواج الثلاثة هم المذكورون في آخر السورة وفي سورة الملائكة .

وقال يزيد الرقاشي : سألت ابن عباس عن قوله : { وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً } قال : أصنافا ثلاثة .

وقال{[27989]} مجاهد : { وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً } [ قال ]{[27990]} : يعني : فرقا ثلاثة . وقال ميمون بن مِهْران : أفواجا ثلاثة . وقال عُبَيد الله{[27991]} العتكي ، عن عثمان بن سراقة ابن خالة عمر بن الخطاب : { وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً } اثنان في الجنة ، وواحد في النار .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن الصباح ، حدثنا الوليد بن أبي ثور ، عن سِمَاك ، عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } [ التكوير : 7 ] قال : الضرباء ، كل رجل من قوم كانوا يعملون عمله ، وذلك بأن الله يقول : { وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً . فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ . وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ . وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ }

قال : هم الضرباء{[27992]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبد الله المثنى ، حدثنا البراء الغنوي ، حدثنا الحسن ، عن معاذ بن جبل ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا{[27993]} هذه الآية :

{ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ } {[27994]} ، { وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ } {[27995]} فقبض بيده قبضتين فقال : " هذه للجنة{[27996]} ولا أبالي ، وهذه للنار{[27997]} ولا أبالي " {[27998]} .

وقال أحمد أيضا : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لَهِيعَة ، حدثنا خالد بن أبي عمران ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " أتدرون من السابقون إلى ظل يوم القيامة ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ، وإذا سئلوه بذلوه ، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم " {[27999]} .

وقال محمد بن كعب وأبو حَرْزَةَ يعقوب بن مجاهد : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } : هم الأنبياء ، عليهم السلام . وقال السُّدِّيّ : هم أهل عليين . وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } ، قال : يوشع بن نون ، سبق إلى موسى ، ومؤمن آل " يس " ، سبق إلى عيسى ، وعلي بن أبي طالب ، سبق إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه ابن أبي حاتم ، عن محمد بن هارون الفلاس ، عن عبد الله بن إسماعيل المدائني البزاز ، عن شُعَيْب بن الضحاك المدائني ، عن سفيان بن عُيَيْنَة ، عن ابن أبي نَجِيح به .

وقال ابن أبي حاتم : وذكر محمد {[28000]} بن أبي حماد ، حدثنا مِهْرَان ، عن خارجة ، عن قُرَّة ، عن ابن سِيرين : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } الذين صلوا للقبلتين .

ورواه ابن جرير{[28001]} من حديث خارجة ، به .

وقال الحسن وقتادة : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } أي : من كل أمة .

وقال الأوزاعي ، عن عثمان بن أبي سودة أنه قرأ هذه الآية : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } ثم قال : أولهم رواحًا إلى المسجد ، وأولهم خروجًا في سبيل الله .

وهذه الأقوال كلها صحيحة ، فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا ، كما قال تعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ } [ آل عمران : 133 ] ، وقال : { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ } [ الحديد : 22 ] ، فمن سابق إلى هذه الدنيا وسبق إلى الخير ، كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة ، فإن الجزاء من جنس العمل ، وكما تدين تدان ؛ ولهذا قال تعالى : { أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ . فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن زكريا القزاز{[28002]} الرازي ، حدثنا خارجة بن مُصعَب ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله بن عمرو قال : قالت الملائكة : يا رب ، جعلت لبني آدم الدنيا فهم يأكلون ويشربون ويتزوجون ، فاجعل لنا الآخرة . فقال : لا أفعل . فراجعوا ثلاثا ، فقال : لا أجعل من خلقت بيدي كمن قلت له : كن ، فكان . ثم قرأ عبد الله : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ . فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } .

وقد روى هذا الأثر الإمام عثمان{[28003]} بن سعيد الدارمي في كتابه : " الرد على الجهمية " ، ولفظه : فقال الله عز وجل : " لن أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي ، كمن قلت له : كن فكان " {[28004]} .


[27989]:- (3) في أ: "عن".
[27990]:- (4) زيادة من م.
[27991]:- (5) في أ: "عبد الله".
[27992]:- (1) سيأتي تخريج الحديث عند الآية: 7 من سورة التكوير.
[27993]:- (2) في أ: "قرأ".
[27994]:- (3) في م، أ: "وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين".
[27995]:- (4) في م، أ: "وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال".
[27996]:- (5) في م، أ: "هذه في الجنة".
[27997]:- (6) في م، أ: "وهذه في النار".
[27998]:- (7) المسند (5/239) والحسن لم يسمع من معاذ.

[27999]:- (8) المسند (6/67).
[28000]:- (9) في أ: "وذكر عن محمد".
[28001]:- (10) في أ: "ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير".
[28002]:- (1) في أ: "الفزاري".
[28003]:- (2) في أ: "عمر".
[28004]:- (3) وقد رواه عثمان بن سعيد الدارمي فرفعه كما في البداية والنهاية (1/55) للمؤلف وقال: "وهو أصح" وله شاهد من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رواه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/48) وقال: "هذا حديث لا يصح".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ} (10)

وقوله : والسّابِقُونَ السّابِقُونَ وهم الزوج الثالث وهم الذين سبقوا إلى الإيمان بالله ورسوله ، وهم المهاجرون الأوّلون . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبيد الله ، يعني العتكي ، عن عثمان بن عبد الله بن سُراقة ، قوله : وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً قال : اثنان في الجنة وواحد في النار ، يقول : الحور العين للسابقين ، والعُرُب الأتراب لأصحاب اليمين .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً قال : منازل الناس يوم القيامة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا هوذة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ والسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولَئِكَ المُقَرّبُونَ . . . إلى ثُلّةٌ مِنَ الأوّلِينَ وَثلّةٌ مِنَ الاَخِرِينَ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سَوّى بَيَنَ أصحَابِ اليَمِينِ مِنَ الأُمَمِ السّابِقَةِ ، وَبَيَنَ أصحَابِ اليَمِينِ مِنْ هَذِهِ الأُمّة ، وكانَ السّابِقُونَ مِنَ الأُمَمِ أكْثَرُ مِنْ سَابِقِي هَذِهِ الأُمّةِ » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَأصْحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ : أي ماذا لهم ، وماذا أعدّ لهم وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ : أي ماذا لهم وماذا أعدّ لهم والسّابِقُونَ السّابِقُونَ : أي من كلّ أمة .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول : وجدت الهوى ثلاثة أثلاث ، فالمرء يجعل هواه علمه ، فيديل هواه على علمه ، ويقهر هواه علمه ، حتى إن العلم مع الهوى قبيح ذليل ، والعلم ذليل ، الهوى غالب قاهر ، فالذي قد جعل الهوى والعلم في قلبه ، فهذا من أزواج النار ، وإذا كان ممن يريد الله به خيرا استفاق واستنبه ، فإذا هو عون للعلم على الهوى حتى يديل الله العلم على الهوى ، فإذا حسُنت حال المؤمن ، واستقامت طريقته كان الهوى ذليلاً ، وكان العلم غالبا قاهرا ، فإذا كان ممن يريد الله به خيرا ، ختم عمله بإدالة العلم ، فتوفاه حين توفاه ، وعلمه هو القاهر ، وهو العامل به ، وهواه الذليل القبيح ، ليس له في ذلك نصيب ولا فعل . والثالث : الذي قبح الله هواه بعلمه ، فلا يطمع هواه أن يغلب العلم ، ولا أن يكون معه نصف ولا نصيب ، فهذا الثالث ، وهو خيرهم كلهم ، وهو الذي قال الله عزّ وجلّ في سورة الواقعة : وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً قال : فزوجان في الجنة ، وزوج في النار ، قال : والسابق الذي يكون العلم غالبا للهوى ، والاَخر : الذي ختم الله بإدالة العلم على الهوى ، فهذان زوجان في الجنة ، والاَخر : هواه قاهر لعلمه ، فهذا زوج النار .

واختلف أهل العربية في الرافع أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ، فقال بعض نحويي البصرة : خبر قوله : فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَة وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ قال : ويقول زيد : ما زيد ، يريد : زيد شديد . وقال غيره : قوله : ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ لا تكون الجملة خبره ، ولكن الثاني عائد على الأوّل ، وهو تعجب ، فكأنه قال : أصحاب الميمنة ما هم ، والقارعة ما هي ، والحاقة ما هي ؟ فكان الثاني عائد على الأوّل ، وكان تعجبا ، والتعجب بمعنى الخبر ، ولو كان استفهاما لم يجز أن يكون خبرا للابتداء ، لأن الاستفهام لا يكون خبرا ، والخبر لا يكون استفهاما ، والتعجب يكون خبرا ، فكان خبرا للابتداء . وقوله : زيد وما زيد ، لا يكون إلا من كلامين ، لأنه لا تدخل الواو في خبر الابتداء ، كأنه قال : هذا زيد وما هو : أي ما أشدّه وما أعلمه .

واختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله : والسّابِقُونَ السّابِقُونَ فقال بعضهم : هم الذين صلوا للقبلتين .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن خارجة ، عن قرة ، عن ابن سيرين والسّابقون السّابِقُونَ الذين صلوا للقبلتين . وقال آخرون في ذلك بما :

حدثني به عبد الكريم بن أبي عمير ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا أبو عمرو ، قال : حدثنا عثمان بن أبي سودة ، قال : السّابِقُونَ السّابِقُونَ أوّلهم رواحا إلى المساجد ، وأسرعهم خفوقا في سبيل الله .

والرفع في السابقين من وجهين : أحدهما : أن يكون الأوّل مرفوعا بالثاني ، ويكون معنى الكلام حينئذٍ والسابقون الأوّلون ، كما يقال : السابق الأوّل ، والثاني أن يكون مرفوعا بأولئك المقرّبون يقول جلّ ثناؤه : أولئك الذين يقرّبهم الله منه يوم القيامة إذا أدخلهم الجنة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ} (10)

والسابقون السابقون والذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة بعد ظهور الحق من غير تلعثم وتوان أو سبقوا في حيازة الفضائل والكمالات أو الأنبياء فإنهم مقدموا أهل الأديان هم الذين عرفت حالهم وعرفت مآلهم كقول أبي النجم أنا أبو النجم وشعري شعري أو الذين سبقوا إلى الجنة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ} (10)

وقوله : { والسابقون } هذا الصنفُ الثالث في العدّ وهم الصنف الأفضل من الأصناف الثلاثة ، ووصفُهم بالسبق يقتضي أنهم سابقون أمثالهم من المحسنين الذين عبر عنهم بأصحاب الميمنة فهم سابقون إلى الخير ، فالناس لا يتسابقون إلا لنوال نفيس مرغوب لكل الناس ، وأما الشر والضرّ فهم يتكعكون عنه .

وحقيقة السبق : وصول أحد مكاناً قبل وصول أحد آخر . وهو هنا مستعمل على سبيل الاستعارة ، وقد جمع المعنيين قول النابغة :

سَبقتَ الرجال الباهشين إلى العُلا *** كسبق الجواد اصطاد قبل الظوارد

فيجوز أن يكون { السابقون } مستعملاً في المبادرة والإسراع إلى الخير في الدين كما في قوله تعالى : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار } في سورة براءة ( 100 ) .

ويجوز أن يكون مستعملاً في المغالبة في تحصيل الخير كقوله تعالى : { أولئك يسارعون في الخيران وهم لها سابقون } في سورة المؤمنين ( 61 ) .

وقوله : { السابقون } ثانياً يجوز جعله خبراً عن { السابقون } الأول كما أُخبر عن أصحاب الميمنة بأنهم { ما أصحاب الميمنة } لأنه يدل على وصفهم بشيء لا يكتنه كنهه بحيث لا يفي به التعبير بعبارة غير تلك الصفة إذ هي أقصى ما يسعه التعبير ، فإذا أراد السامع أن يتصور صفاتهم فعليه أن يتدبر حالهم ، وهذا على طريقه قوله : { أولئك هم المفلحون } [ الأعراف : 157 ] . ويجوز جعله تأكيداً للأول فمآل جملة { ما أصحاب الميمنة } ونظيرتها وجملة { والسابقون السابقون } هو التعجيب من حالهم وطريقُه هو الكناية ولكنّ بين الكنايتين فرقاً بأن إحداهما كانت من طريق السؤال عن الوصف ، والأخرى من طريق تعذر التعبير بغير ذلك الوصف .

والمعنى : أن حالهم بلغت منتهى الفضل والرفعة بحيث لا يجد المتكلم خبراً يُخبر به عنهم أدلّ على مرتبتهم مِن اسم { السابقون } فهذا الخبر أبلغ في الدلالة على شرف قدرهم من الإِخبار ب { ما } الاستفهامية التعجيبية في قوله : { ماأصحاب الميمنة } ، وهذا مثل قول أبي الطمحان القفيني :

وإني من القوم الذين هُمُو هُمُو *** إذا مات منهم سيد قام صاحبه

مع ما في اشتقاق لقبهم من « السبق » من الدلالة على بلوغهم أقصى ما يطلبه الطالبون .

وحذف متعلق { السابقون } في الآية لقصد جعل وصف { السابقون } بمنزلة اللقب لهم ، وليفيد العموم ، أي أنهم سابقون في كل ميدان تتسابق إليه النفوس الزكية كقوله تعالى : { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } [ المطففين : 26 ] ، فهؤلاء هم السابقون إلى الإِيمان بالرسل وهم الذين صحبوا الرسل والأنبياء وتلقوا منهم شرائعهم ، وهذا الصنف يوجد في جميع العصور من القدم ، ومستمر في الأمم إلى الأمة المحمدية وليس صنفاً قد انقضى وسبقَ الأمةَ المحمدية . وأُخِّر { السابقون } في الذكر عن أصحاب اليمين لتشويق السامعين إلى معرفة صنفهم بعد أن ذكر الصنفان الآخران من الأصناف الثلاثة ترغيباً في الاقتداء .