التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥٓ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةٗ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرٗا مَّقۡضِيّٗا} (21)

وقوله - تعالى - : { قَالَ كذلك قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ . . . } رد من جبريل عليها .

أى : قال الأمر كذلك أى : كما ذكرت من أن بشراً لم يمسسك ومن أنك لم تكونى فى يوم من الأيام بغيا . أو الأمر كذلك من أنى أرسلنى ربك لأهب لك غلاماً زكيا من غير أن يكون له أب .

وقوله { قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } بيان لمظهر من مظاهر قدرة الله - تعالى - التى لا يعجزها شىء ، أى : { قَالَ رَبُّكَ هُوَ } أى : خلق ولدك من غير أب { عَلَيَّ هَيِّنٌ } أى : سهل يسير لأن قدرتنا لا يعجزها شىء .

وقوله - سبحانه - { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ } تعليل لمعلل محذوف ، أى : ولنجعل وجود الغلام منك من غير أن يمسك بشر { آيَةً } عظيمة ، وأمراً عجيباً يدل دلالة واضحة على قدرتنا ، أمام الناس جميعاً ، فإن قدرتنا لا يعجزها ذلك ، كما لا يعجزها أن توجد بشراً من غير أب وأم كما فعلنا مع آدم . أو من غير أم كما فعلنا مع حواء ، أو من اب وأم كما فعلنا مع سائر البشر .

وقوله : { وَرَحْمَةً مِّنَّا } معطوف على ما قبله ، أى : ولنجعل هذا الغلام الذى وهبناه لك من غير أب رحمة عظيمة منا لمن آمن به ، واتبع دعوته .

{ وَكَانَ } وجود هذا الغلام منك على هذه الكيفية { أَمْراً مَّقْضِيّاً } أى : مقدراً فى الأزل مسطوراً فى اللوح المحفوظ ، ولا بد من وقوعه بدون تغيير أو تبديل .

وبذلك تكون هذه الآيات الكريمة ، قد حكت لنا جانباً من حالة مريم ومن الحوار الذى جرى بينها وبين جبريل - عليه السلام - الذى تمثل لها فى صورة بشر سوى .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥٓ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةٗ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرٗا مَّقۡضِيّٗا} (21)

{ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } أي : فقال لها الملك مجيبًا لها عما سألت : إن الله قد قال : إنه سيوجد منك غلامًا ، وإن لم يكن لك بعل ولا توجد{[18739]} منك فاحشة ، فإنه على ما يشاء قادر{[18740]} ؛ ولهذا قال : { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ } أي : دلالة وعلامة للناس على قدرة بارئهم وخالقهم ، الذي نوع{[18741]} في خلقهم ، فخلق أباهم آدم من غير ذكر ولا أنثى ، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى ، وخلق بقية الذرية من ذكر وأنثى ، إلا عيسى فإنه أوجده من أنثى بلا ذكر ، فتمت القسمة الرباعية الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه فلا إله غيره ولا رب سواه .

وقوله : { وَرَحْمَةً مِنَّا } أي ونجعل{[18742]} هذا الغلام رحمة من الله نبيًّا من الأنبياء يدعو إلى عبادة الله تعالى وتوحيده ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : { إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَمِنَ الصَّالِحِينَ } [ آل عمران : 45 ، 46 ] أي : يدعو إلى عبادة الله ربه في مهده{[18743]} وكهولته .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحيم بن إبراهيم - دُحَيْم - حدثنا مروان ، حدثنا العلاء بن الحارث الكوفي ، عن مجاهد قال : قالت مريم ، عليها السلام : كنت إذا خلوت حدثني عيسى وكلمني وهو في بطني وإذا كنت مع الناس سبح في بطني وكبر .

وقوله : { وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا } يحتمل أن هذا من كلام جبريل لمريم ، يخبرها أن هذا أمر مقدر في علم الله تعالى وقدره ومشيئته . ويحتمل أن يكون من خبر الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأنه كنى بهذا عن النفخ في فرجها ، كما قال تعالى : { وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا } [ التحريم : 12 ] وقال { وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا } [ الأنبياء : 91 ]

قال محمد بن إسحاق : { وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا } أي : أن الله قد عزم على هذا ، فليس منه بد ، واختار هذا أيضًا ابن جرير في تفسيره ، ولم يحك غيره ، والله أعلم .


[18739]:في ت، ف، أ: "ولا يوجد".
[18740]:في أ: "قدير".
[18741]:في ت، ف، أ: "تنوع".
[18742]:في ت، ف، أ: "ويجعل".
[18743]:في ت، أ: "المهد".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥٓ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةٗ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرٗا مَّقۡضِيّٗا} (21)

قالَ كَذلكِ قالَ رَبّكِ هُوَ عَليّ هَيّنٌ يقول تعالى ذكره : قال لها جبريل : هكذا الأمر كما تصفين ، من أنك لم يمسسك بشر ولم تكوني بغيا ، ولكن ربك قال : هو عليّ هين : أي خَلْق الغلام الذي قلت أن أهبه لك عليّ هين لا يتعذّر عليّ خلقه وهبته لك من غير فحل يفتحلك .

وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً للنّاسِ يقول : وكي نجعل الغلام الذي نهبه لك علامة وحجة على خلقي أهبه لك . وَرَحْمَةً مِنّا يقول : ورحمة منا لك ، ولمن آمن به وصدّقه أخلقه منك وكانَ أمْرا مَقْضِيّا يقول : وكان خلقه منك أمرا قد قضاه الله ، ومضى في حكمه وسابق علمه أنه كائن منك . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني من لا أتهم ، عن وهب بن منبه وكانَ أمْرا مَقْضِيّا أي إن الله قد عزم على ذلك ، فليس منه بدّ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥٓ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةٗ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرٗا مَّقۡضِيّٗا} (21)

{ قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله } أي ونفعل ذلك لنجعله آية أو لنبين به قدرتنا ولنجعله ، وقيل عطف على ليهب على طريقة الالتفات . آية للناس علامة لهم وبرهانا على كمال قدرتنا . { ورحمة منا } على العباد يهتدون بإرشاده . و { وكان أمرا مقضيا } أي تعلق به قضاء الله في الأزل ، أو قدر وسطر في اللوح أو كان أمرا حقيقيا بأن يقضى ويفعل لكونه آية ورحمة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥٓ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةٗ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرٗا مَّقۡضِيّٗا} (21)

المعنى قال لها الملك { كذلك } هو كما وصفت ولكن { قال ربك } ويحتمل أن يريد على هذه الحال { قال ربك } والمعنى متقارب والآية العبرة المعرضة للنظر ، والضمير في قوله { لنجعله } للغلام ، { ورحمة منا } معناه طريق هدى لعالم كثير ، فينالون الرحمة بذلك ، ثم أعلمها بأن الأمر قد قضي وانتجز ، و «الأمر » هنا واحد الأمور وليس بمصدر أمر يأمر

.