التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ} (15)

وقوله : { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } بيان لسوء مصيرهم يوم القيامة .

وكلا هنا تأكيد لسابقتها لزيادة الردع والزجر ، ويصح أن تكون كلا هنا بمعنى حقا .

أى : حقا إن هؤلاء الفجار سيكونون يوم القيامة فى حالة احتجاب وامتناع عن رؤية الله - تعالى - وعن رضاه .

قال الآلوسى : " كلا " ردع وزجر عن الكسب الرائن ، أو بمعنى حقا " إنهم " . أى : هؤلاء المكذبين { عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُون } لا يرونه - سبحانه - وهو - وعز وجل - حاضر ناظر لهم ، بخلاف المؤمنين ، فالحجاب : مجاز عن عدم الرؤية ، لأن المحجوب لا يرى ما حجب ، و الحجب المنع ، والكلام على حذف مضاف . أى : عن رؤية ربهم لممنوعن فلا يرونه - سبحانه - .

واحتج مالك - رحمه الله - بهذه الآية ، على رؤية المؤمنين له - تعالى - ، من جهة دليل الخطاب ، وإلا فلو حجب الكل لما أغنى هذا التخصيص .

وقال الشافعى - رحمه الله - : لما حجب - سبحانه - قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضا . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ} (15)

وقوله : { كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } أي : لهم يوم القيامة مَنزلٌ ونزل سجين ، ثم هم يوم القيامة مع{[29852]} ذلك محجوبون عن رؤية ربهم وخالقهم .

قال الإمام أبو عبد الله الشافعي : [ في ]{[29853]} هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه عز وجل يومئذ{[29854]} .

وهذا الذي قاله الإمام الشافعي ، رحمه الله ، في غاية الحسن ، وهو استدلال بمفهوم هذه الآية ، كما دل عليه منطوق قوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 ، 23 ] . وكما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح{[29855]} المتواترة في رؤية المؤمنين ربهم عز وجل في الدار الآخرة ، رؤية بالأبصار في عَرَصات القيامة ، وفي روضات الجنان الفاخرة .

وقد قال ابن جرير [ محمد بن عمار الرازي ]{[29856]} : حدثنا أبو معمر المنْقَريّ ، حدثنا عبد الوارث ابن سعيد ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن في قوله : { كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } قال : يكشف الحجاب ، فينظر إليه المؤمنون والكافرون ، ثم يحجب عنه الكافرون وينظر إليه المؤمنون . كُلّ يوم غدوة وعشية - أو كلاما هذا معناه .


[29852]:- (2) في م: "بعد".
[29853]:- (3) زيادة من م، أ.
[29854]:- (4) رواه البيهقي في مناقب الشافعي (1/419).
[29855]:- (5) في م: "الصحيحة".ر
[29856]:- (6) زيادة من م، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ} (15)

القول في تأويل قوله تعالى : { كَلاّ إِنّهُمْ عَن رّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لّمَحْجُوبُونَ * ثُمّ إِنّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمّ يُقَالُ هََذَا الّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ما الأمر كما يقول هؤلاء المكذّبون بيوم الدين ، من أن لهم عند الله زُلْفة ، إنهم يومئذٍ عن ربهم لمحجوبون ، فلا يرونه ، ولا يرون شيئا من كرامته يصل إليهم .

وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله : إنّهُمْ عَنْ رَبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ فقال بعضهم : معنى ذلك : إنهم محجوبون عن كرامته . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن سهل ، قال : حدثنا الوليد مسلم ، عن خليد ، عن قتادة كَلاّ إنّهُمْ عَنْ رَبّهمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ هو لا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم .

حدثني سعيد بن عمرو السكونيّ ، قال : حدثنا بقية بن الوليد ، قال : حدثنا جرير ، قال : ثني نمران أبو الحسن الذماري ، عن ابن أبي مليكة أنه كان يقول في هذه الاَية إنّهُم عَنْ رَبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ قال : المنّان ، والمختال ، والذي يقتطع أموال الناس بيمينه بالباطل .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنهم محجوبون عن رؤية ربهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمار الرازيّ ، قال : حدثنا أبو معمر المنقريّ ، قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن في قوله : كَلاّ إنّهُمْ عَنْ رَبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ قال : يكشف الحجاب فينظر إليه المؤمنون كلّ يوم غُدْوة وعشية ، أو كلاما هذا معناه .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم أنهم عن رؤيته محجوبون . ويُحتمل أن يكون مرادا به الحجاب عن كرامته ، وأن يكون مرادا به الحجاب عن ذلك كله ، ولا دلالة في الاَية تدلّ على أنه مراد بذلك الحجاب عن معنى منه دون معنى ، ولا خبر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت حجته . فالصواب أن يقال : هم محجوبون عن رؤيته ، وعن كرامته ، إذ كان الخبر عاما ، لا دلالة على خصوصه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ} (15)

كلا ردع عن الكسب الرائن إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فلا يرونه بخلاف المؤمنين ومن أنكر الرؤية جعله تمثيلا لإهانتهم من يمنع عن الدخول على الملوك أو قدر مضافا مثل رحمة ربهم أو قرب ربهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ} (15)

و { كلا } في قوله تعالى : { كلا إنهم على ربهم } يصلح فيها الوجهان اللذان تقدم ذكرهما ، والضمير في قوله : { إنهم عن ربهم } هو للكفار ، قال بالرؤية وهو قوله أهل السنة ، قال إن هؤلاء لا يرون ربهم فهم محجوبون عنه ، واحتج بهذه الآية مالك بن أنس عن مسألة الرؤية من جهة دليل الخطاب وإلا فلو حجب الكل لما أغنى هذا التخصص ، وقال الشافعي : لما حجب قوم بالسخط دل على أن قوماً يرونه بالرضى ، ومن قال بأن لا رؤية وهو قول المعتزلة ، قال في هذه الآية : إنهم محجوبون عن رحمة ربهم وغفرانه .