التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرۡتَابُوٓاْ أَمۡ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَرَسُولُهُۥۚ بَلۡ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (50)

ثم يعقب القرآن الكريم على تصرفاتهم القبيحة بإثبات نفاقهم ، وبالتعجيب من ترددهم وريبهم ، وباستنكار ما هم عليه من خلق ذميم فيقول : { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ارتابوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ الله عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ . . . } ؟ !

وقوله : { يَحِيفَ } من الحيف ، وهو الميل إلى أحد الجانبين ، يقال : حاف فلان فى قضائه ، إذا جار وظلم .

أى : ما بال هؤلاء المنافقين يعرضون عن أحكام الإسلام ولا يقبلون على حكم الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إذا كانت لهم حقوق عند غيرهم أسبب ذلك أنهم مرضى القلوب بالنفاق وضعف الإيمان ؟ أم سبب ذلك أنهم يشكون فى صدق نبوته صلى الله عليه وسلم ؟ أم سببه أنهم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ؟

لا شك أن هذه الأسباب كلها قد امتلأت بها قلوبهم الفاسدة ، وفضلا عن ذلك فهناك سبب أشد وأعظم ، وهو حرصهم على الظلم ووضع الأمور فى غير مواضعها ، ولذا ختم - سبحانه - الآية الكريمة - بقوله : { بَلْ أولئك هُمُ الظالمون } .

أى : بل أولئك المنافقون هم الظالمون لأنفسهم ولغيرهم ، حيث وضعوا الأمور فى غير موضعها ، وآثروا الغى على الرشد ، والكفر على الإيمان .

قال الجمل : وقوله : { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ . . . } إلخ استنكار واستقباح لإعراضهم المذكور ، وبيان لمنشئه بعد استقصاء عدة من القبائح المحققة فيهم ، والاستفهام للإنكار لكن النفى المستفاد به لا يتسطل على هذه الأمور الثلاثة ، لأنها واقعة لهم ، وقائمة بهم ، والواقع لا ينفى ، وأنما هو متسلط على منشئتها وسببيتها لإعراضهم . . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرۡتَابُوٓاْ أَمۡ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَرَسُولُهُۥۚ بَلۡ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (50)

{ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ } يعني : لا يخرج أمرهم عن أن يكون في القلوب مَرَض لازم لها ، أو قد عرض لها شك في الدين ، أو يخافون أن يجور الله ورسوله عليهم في الحكم . وأيّا ما كان فهو كفر محض ، والله عليم بكل منهم ، وما هو عليه منطو من هذه الصفات .

وقوله : { بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } أي : بل هم الظالمون الفاجرون ، والله ورسوله مبرآن مما يظنون ويتوهمون من الحيف والجور ، تعالى الله ورسوله عن ذلك .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا مبارك ، حدثنا الحسن قال :

كان الرجل إذا كان بينه وبين الرجل منازعة ، فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مُحِقّ أذعن ، وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقضي له بالحق . وإذا أراد أن يظلم فدُعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعرض ، وقال : أنطلقُ إلى فلان . فأنزل الله هذه الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان بينه وبين أخيه شيء ، فدُعِي إلى حَكَم من حُكَّام المسلمين فأبى أن يجيب ، فهو ظالم لا حق له " {[21296]} .

وهذا حديث غريب ، وهو مرسل .


[21296]:- ورواه عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن مرسلا كما في الدر المنثور (6/213).