التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفۡ مِنۢ بَعۡدِكُم مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوۡمٍ ءَاخَرِينَ} (133)

ثم صرح - سبحانه - بغناه عن كل عمل وعن كل عامل ، وبأنه هو صاحب الرحمة الواسعة ، والقدرة النافذة فقال : { وَرَبُّكَ الغني ذُو الرحمة } .

أى : وربك يا محمد هو الغنى عن جميع خلقه من كل الوجوه ، وهم الفقراء إليه فى جميع أحوالهم ، وهو وحده صاحب الرحمة الواسعة العامة التى شملت جميع خلقه .

والجملة الكريمة تفيد الحصر . وقوله : وربك مبتدأ ، والغنى خبره ، وقوله { ذُو الرحمة } خبر بعد خبر . وجوز أن يكون هو الخبر و " الغنى " صفة لربك .

وفى هذه الجملة تنبيه إلى أن ما سبق ذكره من إرسال الرسل وغيره ، ليس لنفعه - سبحانه - ، بل لترحمه على العباد ، وتمهيد لقوله بعد ذلك .

{ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ } أى : أنه - سبحانه - إن يشأ إذهابكم إيها الناس بالإهلاك لفعل ذلك فهو قدير على كل شىء وعلى أن يشىء بعد إذهابكم ما يشاء من الخلق الذين يعملون بطاعته ، ولا يكونون أمثالكم .

والكاف فى قوله : { كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } فى موضع نصب والمعنى : إن الله - تعالى - قادر على أن يستخلف من بعدكم ما يشاء استخلافه مثل ما أنشأكم من ذرية قوم آخرين . ونظريه قوله - تعالى - { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا الناس وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ الله على ذلك قَدِيراً } وقوله { ياأيها الناس أَنتُمُ الفقرآء إِلَى الله والله هُوَ الغني الحميد إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفۡ مِنۢ بَعۡدِكُم مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوۡمٍ ءَاخَرِينَ} (133)

يقول [ تعالى ]{[11240]} { وَرَبُّكَ } يا محمد { الْغَنِيُّ } أي : عن جميع خلقه من جميع الوجوه ، وهم الفقراء إليه في جميع أحوالهم ، { ذُو الرَّحْمَةِ } أي : وهو مع ذلك رحيم بهم رؤوف ، كما قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } [ البقرة : 143 ] .

{ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } أي : إذا خالفتم أمره { وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ } أي : قوما آخرين ، أي : يعملون بطاعته{[11241]} ، { كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } أي : هو قادر على ذلك ، سهل عليه ، يسير لديه ، كما أذهب القرون الأوَل وأتى بالذي بعدها{[11242]} كذلك هو قادر على إذهاب هؤلاء والإتيان بآخرين ، كما قال تعالى : { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا } [ النساء : 133 ] ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ } [ فاطر : 15 - 17 ] ، وقال تعالى : { وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } [ محمد : 38 ] .

وقال محمد بن إسحاق ، عن يعقوب بن عتبة قال : سمعت أبان بن عثمان يقول في هذه الآية : { كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } الذرية : الأصل ، والذرية : النسل .


[11240]:زيادة من م، أ.
[11241]:في م: "بطاعة الله".
[11242]:في أ: "بعده".