ثم بين - سبحانه - مظاهر فضله عليهم ، ومع ذلك أشركوا معه فى العبادة غيره فقال : { نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً } .
أى : نحن وحدنا الذين خلقناهم وأوجدناهم من العدم .
ونحن وحدنا الذين { وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ } أى : قوينا وأحكمنا وأتقنا خلقهم ، بأن منحناهم السمع والأبصار والأفئدة والعقول . . وربطنا بين مفاصلهم وأجزاء أجسادهم ربطا عجيبا معجزا .
يقال : أسَر الله - تعالى - فلانا ، أى : خلقه - وبابه ضرب - وفرس شديد الأسْر ، أى : شديد الخَلْق ، والأسر : القوة ، مشتق من الإِسار - بكسر الهمزة - وهو الحبل الذى تشد به الأحمال ، يقال : أسَر فلان الحمل أسْراً ، إذا أحكم ربطه ، ومنه الأسير لأنه يُرْبَط بالإِسار ، أى : القيد .
والمقصود بالأسر هنا : الإِحكام والإِتقان ، والامتنان عليهم بأن الله - تعالى - خلقهم فى أحسن وأتقن خلق .
وقوله - سبحانه - { وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً } تأكيد لشمول قدرته - تعالى - أى : ونحن وحدنا الذين خلقناهم ، ونحن وحدنا الذين ربطنا مفاصلهم وأعضاءهم ربطا متقنا بديعا .
ومع ذلك ، فإننا إذا شئنا إهلاكهم أهلكناهم ، وجئنا بأمثالهم وأشباههم فى شدة الخلق ، وبدلناهم تبديلا معجزا ، لا يقدر عليه أحد سوانا .
وقوله : { تَبْدِيلاً } منصوب على أنه مفعول مطلق مؤكد لعامله وهو بدلناهم .
ومن الآيات الشبيهة لهذه الآية فى معناها قوله - تعالى - : { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا الناس وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ الله على ذلك قَدِيراً } وقوله - سبحانه - : { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ . وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ }
ثم قال : { نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد : يعني خَلْقَهم . { وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا } أي : وإذا شئنا بعثناهم يوم القيامة ، وبَدلناهم فأعدناهم خلقا جديدا . وهذا استدلال بالبداءة على الرجعة .
وقال ابن زيد ، وابن جرير : { وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا } [ أي ]{[29618]} : وإذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم ، كقوله : { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ{[29619]} قَدِيرًا } [ النساء : 133 ] وكقوله : { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ } [ إبراهيم : 19 ، 20 ، وفاطر 16 ، 17 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.