التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّهُۥ مَن يَأۡتِ رَبَّهُۥ مُجۡرِمٗا فَإِنَّ لَهُۥ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحۡيَىٰ} (74)

وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً . . } يصح أن يكون كلاما مستأنفا ساقه الله - تعالى - لبيان سوء عاقبة المجرمين ، وحسن عاقبة المؤمنين .

ويصح أن يكون من بقية كلام السحرة فى ردهم على فرعون .

والمعنى : { إِنَّهُ } أى الحال والشأن { مَن يَأْتِ رَبَّهُ } يوم القيامة فى حال كونه { مُجْرِماً } .

أى : مرتكبا لجريمة الكفر والشرك بالله - تعالى - { فَإِنَّ لَهُ } أى : لهذا المجرم { جَهَنَّمَ } يعذب فيها عذابا شديدا من مظاهره أنه { لاَ يَمُوتُ فِيهَا } فيستريح { وَلاَ يحيى } حياة فيها راحة .

كما قال - تعالى - : { والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّهُۥ مَن يَأۡتِ رَبَّهُۥ مُجۡرِمٗا فَإِنَّ لَهُۥ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحۡيَىٰ} (74)

وألهم السحرة الذين آمنوا بربهم أن يقفوا من الطاغية موقف المعلم المستعلي :

إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا . ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى . جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى .

فإذا كان يتهددهم بمن هو أشد وأبقى . فها هي ذي صورة لمن يأتي ربه مجرما هي أشد عذابا وأدوم ( فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا ) فلا هو ميت فيستريح ، ولا هو حي فيتمتع . إنما هو العذاب الذي لا ينتهي إلى موت ولا ينتهي إلى حياة . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّهُۥ مَن يَأۡتِ رَبَّهُۥ مُجۡرِمٗا فَإِنَّ لَهُۥ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحۡيَىٰ} (74)

هذه الجمل معترضة بين حكاية قصة السحرة وبين ذكر قصّة خروج بني إسرائيل ، ساقها الله موعظة وتأييداً لمقالة المؤمنين من قوم فرعون . وقيل : هي من كلام أولئك المؤمنين . ويبعده أنه لم يحك نظيره عنهم في نظائر هذه القصّة .

والمجرم : فاعل الجريمة ، وهي المعصية والفعل الخبيث . والمجرم في اصطلاح القرآن هو الكافر ، كقوله تعالى : { إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون } [ المطففين : 29 ] .

واللام في { لَهُ جَهَنَّمَ } لامُ الاستحقاق ، أي هو صائر إليها لا محالة ، ويكون عذابه متجدّداً فيها ؛ فلا هو ميت لأنّه يُحِس بالعذاب ولا هو حيّ لأنه في حَالةٍ الموتُ أهون منها ، فالحياة المنفية حياة خاصة وهي الحياة الخالصة من العذاب والآلام . وبذلك لم يتناقض نفيها مع نفي الموت ، وهو كقول عبّاس بن مرداس :

وقد كنتُ في الحرب ذَا تُدْرَإٍ *** فلم أُعْطَ شيئاً ولم أُمنع

وليس هذا من قبيل قوله { إنها بقرة لا فارض ولا بكر } [ البقرة : 68 ] ولا قوله { زيتونة لا شرقية ولا غربية } [ النور : 35 ] .

وأما خلود غير الكافرين في النّار من أهل الكبائر فإن قوله { لا يَمُوتُ فِيهَا ولا يحيى } جعلها غير مشمولة لهذه الآية . ولها أدلّة أخرى اقتضت خلود الكافر وعدم خلود المؤمن العاصي . ونازَعَنَا فيها المعتزلة والخوارج . وليس هذا موضع ذكرها وقد ذكرناها في مواضعها من هذا التفسير .