غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّهُۥ مَن يَأۡتِ رَبَّهُۥ مُجۡرِمٗا فَإِنَّ لَهُۥ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحۡيَىٰ} (74)

37

{ إنه } أي الشأن { من يأت ربه } أي حيث لا حكم إلا هو فيسقط استدلال المجسمة حال كون الآتي { مجرماً فإن له جهنم لا يموت فيها } موتة مريحة { ولا يحيى } حياة ممتعة .

قالت المعتزلة : صاحب الكبيرة مجرم وكل مجرم فإن له جهنم بالآية لعموم " من " الشرطية بدليل صحة الاستثناء فيحل القطع بوعيد أصحاب الكبائر . أجابت الأشاعرة بأن المجرم كثيراً ما يجيء في القرآن بمعنى الكافر كقوله { يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر } إلى قوله { وكنا نكذب بيوم الدين } [ المدثر : 46 ] ولا ريب أن التكذيب بالبعث والجزاء كفر ، وكقوله { إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون } [ المطففين : 29 ] إلى آخر السورة . فلم قلتم : إن المجرم ههنا ليس بمعنى الكافر فتبطل المقدمة الأولى ؟ سلمنا لكن المقدمة الثانية كليتها ممنوعة على الإطلاق وإنما هي كلية بشرط عدم العفو ، وحينئذٍ لا يحصل القطع بالوعيد على الإطلاق .سلمنا المقدمتين والنتيجة لكنه معارض بعموم الوعد في قوله : { ومن يأته مؤمناً } فإن قيل : صاحب الكبيرة لم يأته مؤمناً عندنا . قلنا : يصدق عليه المؤمن لأن الإيمان صدر عنه في الزمان الماضي كالضارب على من قد ضرب أمس وليس بين الحال والزمان الماضي منافاة كلية ولهذا صح " جاءني زيد قد قام " بل صح قوله { قد عمل الصالحات } وأنه حال آخر فكأنه قيل : ومن يأته قد آمن قد عمل . ولئن قيل : إن عقاب المعصية يحبط ثواب الطاعة . قلنا : ممنوع بل العكس أولى لأن الدفع أسهل من الرفع وإقامة الحد على التائب في بعض الصور لأجل المحنة لا لأجل التنكيل . وقوله { نكالاً من الله } في حق من لم يتب بعد من السرقة سلمنا أن قوله { ومن يأته مؤمناً } لا يعم صاحب الكبيرة إلا أن قوله { فأولئك لهم الدرجات العلى } من الجنة لمن أتى بالإيمان والأعمال الصالحات أي الواجبات ، لأن الزائدة عليها غير محصور فسائر الدرجات التي غير عالية لا بد أن تكون لغيرهم وما هم إلا العصاة من أهل الإيمان .

/خ37