التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ سَعَوۡ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مِّن رِّجۡزٍ أَلِيمٞ} (5)

{ والذين سَعَوْا في آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } أى : والذين سعوا فى إبطال آياتنا ، وفى تكذيب رسلنا { مُعَاجِزِينَ } أى مسابقين لنا ، لتوهمهم أننا لا نقدر عليهم ، وأنهم يستطيعون الإِفلات من عقابناز يقال : عاجز فلان فلانا وأعجزه إذا غالبه وسبقه .

{ أولئك } الذين يفعلون ذلك { لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } أى : لهم عذاب من أسوأ أنواع العذاب وأشده ألما وإهانة .

وهكذا نرى الآيات الكريمة بعد ثنائها على الله - تعالى - بما هو أهله ، وبعد إثباتها لعلمه الذى لا يعزب عنه شئ ، وبوعد حكايتها لأقوال المشركين وردها عليهم .

بعد كل ذلك تصرح بأن الحكمة من إتيان الساعة . مجازاة الذين آمنوا وعملوا الصالحات بما يستحقون من ثواب ، ومجازاة الذين كفروا وسعوا فى آيات الله بالقدح فيها وصد الناس عنها . بما يستحقون من عقاب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ سَعَوۡ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مِّن رِّجۡزٍ أَلِيمٞ} (5)

وأما الذين سعوا باذلين جهدهم للصد عن آيات الله ، فلهم عذاب من أليم العذاب وسيئه . والرجز هو العذاب السيّىء . جزاء اجتهادهم ومعاجزتهم وكدهم في سبيل السوء !

وبهذا وذلك تتحقق حكمة الله وتدبيره ، وحكمة الساعة التي يجزمون بأنها لا تأتيهم ؛ وهي لا بد أن تجيء . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ سَعَوۡ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مِّن رِّجۡزٍ أَلِيمٞ} (5)

وقوله : { والذين سعوا } عطف على { الذين آمنوا } ، وتقدير الكلام : ليُجزى الذين آمنوا والذين سعوا بما يليق بكل فريق .

والمعنى : أن عالم الإِنسان يحتوي على صالحين متفاوت صلاحهم ، وفاسدين متفاوت فسادهم ، وقد انتفع الناس بصلاح الصالحين واستضروا بفساد المفسدين ، وربما عطل هؤلاء منافع أولئك وهذّب أولئك من إفساد هؤلاء وانقضى كل فريق بما عمل لم يلق المحسن جزاءً على إحسانه ولا المفسد جزاء على إفساده ، فكانت حكمة خالق الناس مقتضية إعلامهم بما أراد منهم وتكليفهم أن يسعوا في الأرض صلاحاً ، ومقتضية ادخار جزاء الفريقين كليهما ، فكان من مقتضاها إحضار الفريقين للجزاء على أعمالهم . وإذ قد شوهد أن ذلك لم يحصل في هذه الحياة علمنا أن بعد هذه الحياة حياة أبدية يقارنها الجزاء العادل ، لأن ذلك هو اللائق بحكمة مرشد الحكماء تعالى ، فهذا مما يدل عليه العقل السليم ، وقد أعلَمَنا خالقُ الخلق بذلك على لسان رسوله ورسله صلى الله عليه وسلم فتوافق العقل والنقل ، وبطل الدَّجْل والدَّخْل .

وجُعل جزاء الذين آمنوا مغفرة ، أي تجاوزُوا عن آثامهم ، ورزقاً كريماً وهو ما يرزقون من النعيم على اختلاف درجاتهم في النعيم وابتداء مدته فإنهم آيلون إلى المغفرة والرزق الكريم .

ووصفَ بالكريم ، أي النفيس في نوعه كما تقدم عند قوله تعالى : { كتاب كريم } في سورة النمل ( 29 ) .

وقوبل { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } ب { الذين سَعوا في آياتنا } لأن السعي في آيات الله يساوي معنى كفروا بها ، وبذلك يشمل عَمل السيئات وهو سيئة من السيئات ، ألا ترى أنه عبر عنهم بعد ذلك بقوله : { وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل } [ سبأ : 7 ] الخ .

ومعنى { سعوا في آياتنا } اجتهدوا بالصد عنها ومحاولة إبطالها ، فالسعي مستعار للجد في فعل ما ، وقد تقدم بيانه عند قوله تعالى : { والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم } في سورة الحج ( 51 ) . وآيات الله هنا : القرآن كما يدل عليه قوله بعد :

و { معاجزين } مبالغة في مُعْجِزين ، وهو تمثيل : شُبِّهت حالهم في مكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بحال من يمشي مشياً سريعاً ليسبق غيره ويعجزه . والعذاب : عذاب جهنم . والرّجز : أسوَأْ العذاب وتقدم في قوله تعالى : { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون } في سورة البقرة ( 59 ) . ومِن } بيانية فإن العذاب نفسه رجز .

وقرأ الجمهور : { معاجزين } بصيغة المفاعلة تمثيلاً لحال ظنهم النجاة والانفلات من تعذيب الله إياهم بإنكارهم البعث والرسالة بحال من يسابق غيره ويعاجزه ، أي يحاول عجزه عن لحاقه .

وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وحده { معجِّزين } بصيغة اسم الفاعل من عجّز بتشديد الجيم ، ومعناه : مثبطين الناس عن اتباع آيات الله ، أو معجزين من آمن بآيات الله بالطعن والجدال .

وقرأ الجمهور : { أليمٍ } بالجر صفة ل { رجز } . وقرأه ابن كثير وحفص ويعقوب بالرفع صفة ل { عذاب } ، وهما سواء في المعنى .