التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَاذَا عَلَيۡهِمۡ لَوۡ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِمۡ عَلِيمًا} (39)

ثم وبخ - سبحانه - هؤلاء الذين يؤثرون رضا الناس على رضا الله ، والذين كفروا بالحق بعد إذ جاءهم فقال - : { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بالله واليوم الآخر وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ الله } .

والمعنى : وأى ضرر على هؤلاء الكافرين البخلاء المرائين لو أنهم آمنا بالله - تعالى - حق الإِيمان ، وآمنوا باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب ، وأنفقوا مما رزقهم الله من فضله ابتغاء وجهه ؟ .

إنه لا ضرر مطلقا من إيمانهم وإنفاقهم واستجابتهم للحق ، بل إن الخير كل الخير فى اتباع ذلك ، والشر كل الشر فيما هم عليه من كفر وبخل ورياء .

فالجملة الكريمة توبيخ لهم على سلوكهم الطريق المعوج وتركهم للطريق المستقيم .

وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : قوله { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ } . وأى تبعة عليهم فى الإِيمان والإِنفاق فى سبيل الله . والمراد الذم والتوبيخ . وإلا فكل منفعة ومفلحة فى ذلك : وهذا كما يقال للمنتقم : ما ضرك لو عفوت وللعاق : ما كان يرزؤك لو كنت بارا . وقد علم أنه لا مضرة ولا مرزأة فى العفو والبر . ولكنه ذم وتجهيل وتوبيخ بمكان المنفعة .

وقوله { وَكَانَ الله بِهِم عَلِيماً } تذييل قصد به تهديهم على إيثارهم طريق الغى على طريق الرشد .

أى : وكان الله بهم عليما علماً بشمل بواطنهم وظواهرهم ، وسيجازيهم على ما أسروه وما أعلنوه بالعقاب الذى يستحقونه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَاذَا عَلَيۡهِمۡ لَوۡ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِمۡ عَلِيمًا} (39)

24

وحين ينتهي من عرض سوءات نفوسهم ؛ وسوءات سلوكهم ؛ ومن عرض أسبابها من الكفر بالله واليوم الآخر ، وصحبة الشيطان واتباعه ؛ ومن الجزاء المعد المهيأ لأصحاب هذه السوءات ، وهو العذاب المهين . . عندئذ يسأل في استنكار :

( وماذا عليهم لو آمنوا بالله ، واليوم الآخر ، وأنفقوا مما رزقهم الله ؟ وكان الله بهم عليما . إن الله لا يظلم مثقال ذرة ، وإن تك حسنة يضاعفها ، ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) . .

أجل ! ماذا عليهم ؟ ما الذي يخشونه من الإيمان بالله واليوم الآخر ، والإنفاق من رزق الله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَاذَا عَلَيۡهِمۡ لَوۡ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِمۡ عَلِيمًا} (39)

{ وماذا } استفهام ، وهو هنا إنكاري توبيخي . و ( ذا ) إشارة إلى ( مَا ) ، والأصل لا يجيء بعد ( ذا ) اسم موصول نحو { من ذا الذي يشفع عنده } [ البقرة : 255 ] . وكثر في كلام العرب حذفه وإبقاء صلته لكثرة الاستعمال ، فقال النحاة : نابت { ذا } منابَ الموصول ، فعدّوها في الموصولات وما هي منها في قبيل ولا دبير ، ولكنّها مؤذنة بها في بعض المواضع . { وعلى } ظرف مستقِرّ هو صلة الموصول ، فهو مؤوّل بكون . و { على } للاستعلاء المجازي بمعنى الكلفة والمشقّة ، كقولهم : عَليك أن تفعل كذا . و { لو آمنوا } شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه ، وقد قدّم دليل الجواب اهتماماً بالاستفهام ، كقول قَتيلة بنت الحارث :

مَا كانَ ضَرَّك لو مَننت وربما *** منَّ الفتى وهو المَغيظ المُحْنَقُ

ومن هذا الاستعمال تَوَلَّدَ معنى المصدرية في لو الشرطية ، فأثبته بعض النحاة في معاني لو ، وليس بمعنى لو في التحقيق ، ولكنه ينشأ من الاستعمال . وتقدير الكلام : لو آمنوا ماذا الذي كان يتعبهم ويثقلهم ، أي لكان خفيفاً عليهم ونافعاً لهم ، وهذا من الجدل بإراءة الحالة المتروكة أنفعَ ومحمودةً .

ثم إذا ظهر أنّ التفريط في أخفّ الحالين وأسدّهما أمر نكر ، ظهر أنّ المفرّط في ذلك مَلوم ، إذ لم يأخذ لنفسه بأرشد الخَلَّتين ، فالكلام مستعمل في التوبيخ استعمالا كنائيا بواسطتين . والملام متوجّه للفريقين : الذين يبخلون ؛ والذين ينفقون رئاء ، لقوله : { لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله } على عكس ترتيب الكلام السابق .

وجملة : { وكان الله بهم عليماً } معترضة في آخر الكلام ، وهي تعريض بالتهديد والجزاء على سوء أعمالهم .