التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَلَقَدۡ فَتَنَّا قَبۡلَهُمۡ قَوۡمَ فِرۡعَوۡنَ وَجَآءَهُمۡ رَسُولٞ كَرِيمٌ} (17)

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن جانب من قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون وملئه ، وكيف أن الله - تعالى - أجاب دعاء نبيه موسى ، فأهلك فرعون وقومه ، ونجى موسى وبنى إسرائيل من شرورهم فقال - تعالى - : { وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ . . . مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ } .

واللام فى قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ . . } موطئة للقسم . وقوله { فَتَنَّا } من الفتن بمعنى الاختبار والامتحان . يقال : فتنت الذهب بالنار ، إذا أدلخته فيها لتعرف جودته من رداءته .

والمراد به هنا : إخبارهم وامتحانهم ، بإرسال موسى - عليه السلام - وبالتوسعة عليهم تارة ، وبالتضييق عليهم تارة اخرى .

والمعنى : والله قد اتبرنا فرعون وقومه من قبل أن نرسلك - أيها الرسول الكريم - إلى هؤلاء المشركين ، وكان اختبارنا وامتحاننا لهم عن طريق إرسال نبينا موسى إليهم ، وعن طريق ابتلائهم بالسراء والضارء لعلهم يرجعون إلى طاعتنا ، ولكنهم لم يرجعوا فأهلكناهم .

فالآية الكريمة المقصود بها تسلية - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من قومه ، ببيان أن تكذيب الأقوام لرسلهم ، حاصل من قبله ، فعليه أن يتأسى بالرسل السابقين فى صبرهم .

والمراد بالرسول الكريم فى قوله : - تعالى - : { وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } : موسى - عليه السلام - ، فقد أرسله - سبحانه - إلى فرعون وقومه ، فبلغهم رسالة ربه ، ولكنهم كذبوه وعصوه . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَلَقَدۡ فَتَنَّا قَبۡلَهُمۡ قَوۡمَ فِرۡعَوۡنَ وَجَآءَهُمۡ رَسُولٞ كَرِيمٌ} (17)

17

( ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون ) . .

وابتليناهم بالنعمة والسلطان ، والتمكين في الأرض ، والإملاء في الرخاء ، واسباب الثراء والاستعلاء .

( وجاءهم رسول كريم ) . .

وكان هذا طرفاً من الابتلاء ، ينكشف به نوع استجابتهم للرسول الكريم ، الذي لا يطلب منهم شيئاً لنفسه ؛ إنما يدعوهم إلى الله ، ويطلب إليهم أن يؤدوا كل شيء لله ، وألا يستبقوا شيئاً لا يؤدونه من ذوات أنفسهم يضنون به على الله :

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَلَقَدۡ فَتَنَّا قَبۡلَهُمۡ قَوۡمَ فِرۡعَوۡنَ وَجَآءَهُمۡ رَسُولٞ كَرِيمٌ} (17)

جعل الله قصة قوم فرعون مع موسى عليه السلام وبني إسرائيل مثلاً لحال المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به ، وجعل ما حلّ بهم إنذاراً بما سيحلّ بالمشركين من القحط والبطشة مع تقريب حصول ذلك وإمكانه ويُسره وإن كانوا في حالة قوة فإن الله قادر عليهم ، كما قال تعالى : { فأهلكنا أشدّ منهم بطشاً } [ الزخرف : 8 ] فذكرها هنا تأييد للنبيء ووَعدٌ له بالنصر وحسنِ العاقبة ، وتهديدٌ للمشركين .

وهذا المثل وإن كان تشبيهاً لمجْمُوعِ الحالة بالحالة فهو قابل للتوزيع بأن يشبَّه أبو جهل بفرعون ، ويشبه أتباعه بملإِ فرعون وقومِه أو يشبه محمد صلى الله عليه وسلم بموسى عليه السلام ، ويشبه المسلمون ببني إسرائيل . وقبولُ المثل لتوزيع التشبيه من محاسنه .

وموقع جملة { ولقد فتنا } يجوز أن يكون موقع الحال فتكون الواوُ للحال وهي حال من ضمير { إنا منتقمون } [ الدخان : 16 ] . ويجوز أن تكون معطوفة على جملة { إنا منتقمون } [ الدخان : 16 ] ، أي منتقمون منهم في المستقبل وانتقمنا من قوممِ فرعون فيما مضى .

وأشعر قولَه { قبلَهم } أن أهل مكة سيُفتنون كما فُتِن قوم فرعون ، فكان هذا الظرف مؤذناً بجملة محذوفة على طريقة الإيجاز ، والتقدير : إنا منتقمون ففاتنوهم فقد فتنا قبلهم قوم فرعون ، ومؤذناً بأن المذكور كالدليل على توقع ذلك وإمكانه وهو إيجاز آخر .

والمقصود تشبيه الحالة بالحالة ولكن عدل عن صَوغ الكلام بصيغة التشبيه والتمثيل إلى صوغه بصيغة الإخبار اهتماماً بالقصة وإظهاراً بأنها في ذاتها مما يهم العلمُ به ، وأنها تذكير مستقل وأنها غير تابعة غيرها . ولأن جملة { وجاءهم رسول كريم } عطفت على جملة { فتنا } أي ولقد جاءهم رسول كريم ، عطفَ مفصل على مجمل ، وإنما جاء معطوفاً إذ المذكور فيه أكثرُ من معنى الفتنة ، فلا تكون جملة { وجاءهم رسول كريم } بياناً لجملة { فتنا } بل هي تفصيل لقصة بعثة موسى عليه السلام .

والفَتن : الإيقاع في اختلال الأحوال ، وتقدم في قوله تعالى : { والفتنة أشدّ من القتل } في سورة البقرة ( 191 ) .

والرسول الكريم : موسى ، والكريم : النفيس الفائق في صنفه ، وتقدم عند قوله تعالى : { إِنَيَ أُلْقِيَ إليّ كتابٌ كريمٌ } في سورة النمل ( 29 ) ، أي رسول من خِيرة الرسل أو من خِيرة الناس .