تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَلَقَدۡ فَتَنَّا قَبۡلَهُمۡ قَوۡمَ فِرۡعَوۡنَ وَجَآءَهُمۡ رَسُولٞ كَرِيمٌ} (17)

الآية 17 وقوله تعالى : { ولقد فتنّا قبلهم قوم فرعون } يقول ، والله أعلم : ولقد فتنّا قوم فرعون بموسى قبل قومك كما فتنّا قومك بك . ويحتمل أن يقول : ولقد فتنا قوم فرعون بمثل الذي فتنّا قومك .

ثم افتتان قوم فرعون بمثل الذي فتن قومه [ يحتمل ]{[19093]} وجوها :

أحدها : أن موسى عليه السلام قد أتاهم بالبينات المعجزات وما لم يقدر فرعون على مقابلة تلك الآيات ، وعجزوا عن الإتيان بمثلها ، فمهما أتاهم بذلك ، وعرفوا أنها آيات الله تعالى ، كذّبوها وردّوها ، ونسبوا موسى إلى السحر والكذب والافتراء على الله تعالى .

فعلى ذلك عمل أهل مكة برسول الله صلى الله عليه وسلم وعاملوه بالذي عامل أولئك موسى من النسبة إلى السحر والجنون والكذب والافتراء على الله تعالى ، والله أعلم .

[ والثاني : ما ]{[19094]} قال بعضهم : إن فرعون وقومه ، ازدروا موسى ، وحقّروه ، لأنه وُلد فيهم كما ازدرى أهل مكة محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا : أنت أصغرنا وأفقرُنا وأقلّنا حيلة كما قال فرعون لموسى : { ألم نربّك فينا وليدا } الآية [ الشعراء : 18 ] .

[ والثالث : ]{[19095]} أن يكون أهل مكة سألوا اليهود عن الأنباء التي يجدونها في القتل ليحاجّوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبون بذلك ظهورا لكذب من رسول الله في ما كان يخبرهم عن الأنباء المتقدمة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وجاءهم رسول كريم } كان جميع رسل الله عليهم السلام كراما لأن الله تعالى كان بعثهم إلى قوم جهّال سفهاء كان لهم الركون إلى الدنيا والميل إليها والرغبة فيها ، فبعث إليهم كرام الخُلق ليُذكّروا أولئك الأقوام ، وتتهيأ لهم [ المعاملة لهم ]{[19096]} والتحمّل منهم سوء{[19097]} ما كانوا يعاملونهم ، والله أعلم .

ولذلك وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخُلق العظيم حين{[19098]} قال : { وإنك لعلى خُلق عظيم } [ القلم : 4 ] .


[19093]:ساقطة من الأصل وم.
[19094]:في الأصل وم: و.
[19095]:في الأصل وم: ويحتمل.
[19096]:من م، ساقطة من الأصل.
[19097]:في الأصل وم: لسوء.
[19098]:في الأصل وم: حيث.