التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتُواْ بِـَٔابَآئِنَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (25)

{ وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } أي : وإذا تليت عليهم آيات القرآن ، الواضحة في دلالتها على أن يوم القيامة حق ، وأن الحساب حق .

{ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتوا بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أي : ما كان ردهم على من يذكرهم بالبعث إلا أن قالوا لهم : أعيدوا إلينا آباءنا الذين ماتوا إن كنتم صادقين في قولكم : إن هناك بعثا وحسابا وثوابا وعقابا .

وقوله { حُجَّتَهُمْ } - بالنصر - خبر كان ، واسمها قوله : { إِلاَّ أَن قَالُواْ } .

وسمى - سبحانه - أقوالهم مع بطلانها حجة ، على سبيل التهكم بهم ، والاستهزاء بهذه الأقوال .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم سمى قولهم حجة وليس بحجة ؟

قلت : لأنهم أدلوا به كما يدلي المحتج بحجته ، وساقوه مساقها ، فسميت حجة على سبيل التهكم ، أو لأن في حسبانهم وتقديرهم حجة ، أو لأنه في أسلوب قول القائل :

تحية بينهم ضرب وجيع . . كأنه قيل : ما كان حجتهم إلا ما ليس بحجة .

والمراد : نفي أن تكون لهم حجة ألبتة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتُواْ بِـَٔابَآئِنَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (25)

24

( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ، ما كان حجتهم إلا أن قالوا : ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ) . .

وهذه كتلك تدل على نظرة سطحية لا تدرك نواميس الخلق ، وحكمة الله فيها ، وسر الحياة والموت الكامن وراءهما ، المتعلق بتلك الحكمة الإلهية العميقة . فالناس يحيون في هذه الأرض ليعطوا فرصة للعمل وليبتليهم الله فيما مكنهم فيه . ثم يموتون حتى يحين موعد الحساب الذي أجله الله ، فيحاسبوا على ما عملوا ، وتتبين نتيجة الابتلاء في فترة الحياة . ومن ثم فهم لا يعودون إذا ماتوا . فليست هنالك حكمة تقتضي عودتهم قبل اليوم المعلوم . وهم لا يعودون لأن فريقاً من البشر يقترحون هذا . فاقتراحات البشر لا تتغير من أجلها النواميس الكبرى التي قام على أساسها الوجود ! ومن ثم فلا مجال لهذا الاقتراح الساذج الذي كانوا يواجهون به الآيات البينات : ( ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ) !

ولماذا يأتي الله بآبائهم قبل الموعد الذي قدره وفق حكمته العليا ? ألكي يقتنعوا بقدرة الله على إحياء الموتى ? يا عجباً ! أليس الله ينشىء الحياة أمام أعينهم إنشاء في كل لحظة ، وفق سنة إنشاء الحياة ?

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتُواْ بِـَٔابَآئِنَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (25)

الضمير في : { عليهم } عائد على كفار قريش . والآيات : هي آيات القرآن وحروفه بقرينة قوله : { تتلى } وعابت هذه الآية سوء مقاولتهم ، وأنهم جعلوا بدل الحجة التمني المتشطط والطلب لما قد حتم الله أن لا يكون إلا إلى أجل مسمى .

وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وابن عامر فيما روى عنه عبد الحميد ، وعاصم فيما روى هارون وحسين عن أبي بكر عنه «حجتُهم » بالرفع على اسم { كان } والخبر في { أن } . وقرأ جمهور الناس «حجتَهم » بالنصب على مقدم واسم { كان } في { أن } .

وكان بعض قريش قد قال : أحي لنا قصياً فإنه كان شيخ صدق حتى نسأله ، إلى غير ذلك من هذا النحو ، فنزلت الآية في ذلك ، وقالوا لمحمد عليه السلام : { ائتوا } من حيث المخاطبة له ، والمراد هو وإلهه والملك الوسيط الذي ذكر هو لهم ، فجاء من ذلك جملة قيل لها { ائتوا } و { إن كنتم } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتُواْ بِـَٔابَآئِنَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (25)

عطف على { وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون } [ الجاثية : 24 ] ، أي عقدوا على عقيدة أن لا حياة بعد الممات استناداً للأوهام والأقيسة الخيالية . وإذا تليت عليهم آيات القرآن الواضحة الدلالة على إمكان البعث وعلى لزومه لم يعارضوها بما يبطلها بل يهرعون إلى المباهتة فيقولون إن كان البعث حقاً فأتوا بآبائنا إن صدقتم . فالمراد بالآيات آيات القرآن المتعلقة بالبعث بدليل ما قبل الكلام وما بعده .

وفي قوله : { ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا } تسجيل عليهم بالتلجلج عن الحجة البينة ، والمصيرِ إلى سلاح العاجز من المكابرة والخروج عن دائرة البحث .

والخطاب بفعل { ائتوا } مُوجّهٌ للمؤمنين بدخول الرسول صلى الله عليه وسلم و { إلا أن قالوا } استثناء من حجتهم وهو يقتضي تسمية كلامهم هذا حجة وهو ليس بحجة إذ هو بالبهتان أشبه فإمّا أن يكون إطلاق اسم الحجة عليه على سبيل التهكم بهم كقول عمرو بن كلثوم :

قريناكم فعجلنا قِراكم *** قبيل الصبح مِرْداة طحونَا

فسمى القتل قرى ، وعلى هذا يكون الاستثناء في قوله : { إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا } استثناء متصلاً تهكماً ، وإمّا أن يكون إطلاق اسم الحجة على كلامهم جرى على اعتقادهم وتقديرهم دونَ قَصد تهكّم بهم ، أي أتوا بما توهموه حجّة فيكون الإطلاق استعارة صورية والاستثناء على هذا متصل أيضاً . وإما أن يكون الإطلاق استعارة بعلاقة الضدية فيكون مجازاً مرسلاً بتنزيل التضاد منزلة التناسب على قصد التهكم فيكون المعنى أن لا حجة لهم البتة إذ لا حجة لهم إلا هذه ، وهذه ليست بحجة بل هي عناد فيحصل أن لا حجة لهم بطريق التمليح والكناية كَقَول جِرَانِ العَوْدِ :

وبلدةٍ ليس بها أنيس *** إلا اليَعافيرُ وإلا العِيس

أي لا أنس بها البتة .

ويقدر قوله : { أن قالوا ائتوا بآبائنا } في محل رفع بالاستثناء المفرغ على الاعتبارات الثلاثة فهو اسم { كان } و { حجتهم } خبرها لأن حجتهم منصوب في قراءة جميع القراءات المشهورة .

وتقديم خبر { كان } على اسمها لأن اسمها محصور ب { إلاّ } فحقه التأخير عن الخبر .