التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِيَةَ} (18)

وقوله - سبحانه - : { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } رد على غروره وتفاخره بعشيرته ، فقد جاء فى الحديث الشريف أن أبا جهل عندما نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة ، نهره النبى صلى الله عليه وسلم وزجره وأغلظ له القول . . فقال أبو جهل : أتهددني يا محمد وأنا أكثر هذا الوادى ناديا ، فأنزل الله - سبحانه - : { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ . سَنَدْعُ الزبانية } .

وأصل النادى : المكان الذى يجتمع فيه الناس للحديث ، ولا يسمى المكان بهذا الاسم إلا إذا كان معدا لهذا الغرض ، ومنه دار الندوة ، وهى دار كان أهل مكة يجتمعون فيها للتشاور فى مختلف أمورهم ، وسمي بذلك لأن الناس يَنْدُون إليه ، أي : يذهبون إليه ، أو ينتدون فيه ، أي : يجتمعون للحديث فيه . يقال : ندا القوم نَدْواً - من باب غزا - إذا اجتمعوا .

والأمر فى قوله - تعالى - : { فَلْيَدْعُ } للتعجيز ، والكلام على حذف مضاف . أي : فليدع هذا الشقى المغرور أهله وعشيرته لإيذاء النبى صلى الله عليه وسلم ، ولمنعه من الصلاة ، إن قدروا على ذلك ، فنحن من جانبنا سندع الزبانية ، وهم الملائكة الغلاظ الموكلون بعقاب هذا المغرور وأمثاله .

ولفظ الزبانية فى كلام العرب : يطلق على رجال الشرطة الذين يزبنون الناس ، أي : يدفعونهم إلى ما يريدون دفعهم إليه بقوة وشدة وغلظة ، جمع زِبْنيَّة ، وأصل اشتقاقه من الزَّبْنِ ، وهو الدفع الشديد ، ومنه قولهم : حرب زبون ، إذا اشتد الدفع والقتال فيها ، وناقة زبون إذا كانت تركل من يحلبها .

والمقصود بهاتين الآيتين ، التهكم بهذا الإِنسان المغرور ، والاستخفاف به وبكل من يستنجد به ، ووعيده بأنه إن استمر فى غروره ونهيه عن الصلاة فسيسلط الله - تعالى - عليه ملائكة غلاظا شدادا . لا قبل له ولا لقومه بهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِيَةَ} (18)

أما نحن فإننا ( سندع الزبانية )الشداد الغلاظ . . والمعركة إذن معروفة المصير !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِيَةَ} (18)

و { الزبانية } ملائكة العذاب واحدهم " زبنية " ، وقال الكسائي : " زبني " ، وقال عيسى بن عمر الأخفش : " زابن " ، وهم الذين يدفعون الناس في النار ، والزبن : الدفع ، ومنه " حرب زبون " أي تدفع الناس في نفسها ، ومنه قول الشاعر :

ومستعجب مما يرى من أناتنا *** ولو زبنته الحرب لم يترمرم{[11913]}

ومنه قول عتبة بن أبي سفيان : " وقد زبنتنا الحرب وزبناها ، فنحن بنوها وهي أمنا " ، ومنه قول الشاعر :

عدتني عن زيارتك العوادي *** وحالت بيننا حرب زبون{[11914]}

وحذفت الواو من [ سندع ] في خط المصحف اختصارا وتخفيفا ، والمعنى : سندعو الزبانية لعذاب هذا الذي يدعو ناديه ، وقرأ ابن مسعود : ( فليدع إلى ناديه ) .


[11913]:هذا البيت لأوس بن حجر، وهو من قصيدة طويلة بدأها بقوله: تنكرت منا بعد معرفة لمي وبعد التصابي والشباب المكرم ولمي: ترخيم "لميس"، والأناة: الحلم والصبر، وزبنته: دفعته، وهو موضع الاستشهاد، ولم يترمرم: لم يتحرك.
[11914]:هذا البيت في "الأمالي" لأبي علي القالي، ولم ينسبه، والرواية فيه: عدتني عن زيارتها العوادي وحالت دونها حرب زبون وعدتني: صرفتني وشغلتني، والعوادي: الصوارف والأمور التي تشغلني ، والزبون: التي يدفع الناس بعضهم بعضا فيها، أو التي تدفع الناس، يقال للناقة التي تدفع الحالب عنها: ناقة زبون.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِيَةَ} (18)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

فليدع أبو جهل أهل مجلسه وأنصاره ، من عشيرته وقومه ، والنادي : هو المجلس . وإنما قيل ذلك فيما بلغنا ، لأن أبا جهل لما نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند المقام ، انتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأغلظ له ، فقال أبو جهل : علام يتوعدني محمد، وأنا أكثر أهل الوادي ناديا ؟ فقال الله جلّ ثناؤه : { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعا بالنّاصِيَةِ } ، فليدع حينئذٍ ناديه ، فإنه إن دعا ناديه ، دعونا الزبانية . ...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

والزبانية هم الملائكة من خزنة جهنم ، وهم أعظم الملائكة خلقاً وأشدهم بطشاً ، والعرب تطلق هذا الاسم على من اشتد بطشه ،

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

( سندع ) نحن ( الزبانية ) يعني الملائكة الموكلين بالنار ...

تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين 1421 هـ :

يعني عندنا من هم أعظم من نادي هذا الرجل وهم الزبانية ملائكة النار ، وقد وصف الله ملائكة النار بأنهم غلاظ شداد ، غلاظ في الطباع ، شداد في القوة

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

( سندع الزبانية ) ليعلم هذا الجاهل الغافل أنّه عاجز عن فعل أي شيء ، وإنّه في قبضة خزنة جهنم كقشة في مهبّ الريح ...و«النادي » في الآية يقصد به القوم الذين يجتمعون في النادي . وأرادت منه الآية اُولئك الذين يستند إليهم أمثال أبي جهل من أهل وعشير وأصحاب . و«الزبانية »..... هنا بمعنى ملائكة العذاب وخزنة جهنم .