ثم بين - سبحانه - أن قدرته لا يعجزها شئ ، لا فى البحر ولا فى البر ولا فى غيرهما فقال : { أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } والهمزة فى قوله { أفأمنتم } للاستفهام الإِنكارى ، والفاء عاطفة على محذوف ، والتقدير : أنجوتم فأمنتم .
وقوله { يخسف } من الخسف وهو انهيار الأرض بالشئ ، وتغييبه فى باطنها و { جانب البر } ناحية أرض ، وسماه - سبحانه - جانباً ، لأن البحر يمثل جانبا من الأرض ، والبر يمثل جانبًا آخر .
والحاصب : الريح الشديدة ، التى ترمى بالحصباء ، وهى الحجارة الصغيرة . يقال . حصب فلان فلانا ، إذا رماه بالحصباء .
والمعنى : أنجوتم من الغرق - أيها الناس - ففرحتم وأمنتم ونسيتم أن الله - تعالى - إذا كان قد أنجاكم من الغرق ، فهو قادر على أن يخسف بكم جانب الأرض ، وقادر كذلك على أن يرسل عليكم ريحًا شديدة ترميكم بالحصباء التى تهلككم ؛ ثم لا تجدوا لكم وكيلاً تكلون إليه أموركم ، ونصيرًا ينصركم ويحفظكم من عذاب الله - تعالى - .
إن كنتم قد أمنتم عذاب الله بعد نجاتكم من الغرق ، فأنتم جاهلون ، لأن قدرة الله - تعالى - لا يعجزها أن تأخذكم أخذ عزيز مقتدر سواء أكنتم فى البحر أم فى البر أم فى غيرهما ، إذ جميع جوانب هذا الكون فى قبضة الله - تعالى - وتحت سيطرته .
قال صاحب الكشاف : " فإن قلت فما معنى ذكر الجانب ؟ قلت : معناه ، أن الجوانب والجهات كلها فى قدرته سواء ، وله فى كل جانب برا كان أو بحرا سبب مرصد من أسباب الهلكة ، ليس جانب البحر وحده مختصا بذلك ، بل إن كان الغرق فى جانب البحر ، ففى جانب البر ما هو مثله وهو الخسف ، لأنه تغييب تحت التراب ، كما أن الغرق تغييب تحت الماء فالبر والبحر عنده سيان ، يقدر فى البر على نحو ما يقدر عليه فى البحر ، فعلى العاقل أن يستوى خوفه من الله فى جميع الجوانب وحيث كان " .
وهنا يستجيش السياق وجدان المخاطبين بتصوير الخطر الذي تركوه في البحر وهو يلاحقهم في البر أو وهم يعودون إليه في البحر ، ليشعروا أن الأمن والقرار لا يكونان إلا في جوار الله وحماه ، لا في البحر ولا في البر ؛ لا في الموجة الرخية والريح المواتية ولا في الملجأ الحصين والمنزل المريح :
( أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ، ثم لا تجدوا لكم وكيلا ? أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى ، فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ، ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ? ) .
إن البشر في قبضة الله في كل لحظة وفي كل بقعة . إنهم في قبضته في البر كما هم في قبضته في البحر . فكيف يأمنون ? كيف يأمنون أن يخسف بهم جانب البر بزلزال أو بركان ، أو بغيرهما من الأسباب المسخرة لقدرة الله ? أو يرسل عليهم عاصفة بركانية تقذفهم بالحمم والماء والطين والأحجار ، فتهلكهم دون أن يجدوا لهم من دون الله وكيلا يحميهم ويدفع عنهم ?
وقوله { أفأمنتم } الآية ، المعنى { أفأمنتم } أيها المعرضون الناسون الشدة ، حين صرتم إلى الرخاء «أن يخسف الله بكم مكانكم من البر » إذا أنتم في قبضه القدرة في البحر والبر ، و «الحاصب » العارض الرامي بالبرد والحجارة ونحو ذلك ، ومنه قول الشاعر : [ البسيط ]
مستقبلين شمال الشام تضربنا . . . بحاصب كنديف القطن منثور{[7631]}
ترمي العصاة بحاصب من ثلجها . . . حتى يبيت على العضاه جمالا{[7632]}
ومنه الحاصب الذي أصاب قوم لوط ، والحصب : الرمي بالحصباء ، وهي الحجارة الصغار ، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي «يخسف » بالياء على معنى يخسف الله ، وكذلك «يرسل » و «يعيد » و «يرسل » و «يغرق » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.