التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (42)

وبعد أن نهى القرآن الكريم بني إسرائيل عن الكفر والضلال ، عقب ذلك بنهيهم عن أن يعملوا لإِضلال غيرهم ، فقال - { وَلاَ تَلْبِسُواْ الحق بالباطل وَتَكْتُمُواْ الحق وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .

اللبس - بفتح اللام - الخلط ، وفعله : ليس ، من باب : ضرب تقول : لبَست عليه الأمر ، ألبِسه إذا مزجت بينه بمشكله ، وحقه بباطله .

ولدعاة الضلالة طريقتان في إغواء الناس :

إحداهما : طريقة خلط الحق بالباطل حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر وهي المشار إليها بقوله تعالى : { وَلاَ تَلْبِسُواْ الحق بالباطل } .

والثانية : طريقة جحد الحق وإخفائه حتى لا يظهر ، وهي المشار إليها بقوله تعالى : { وَتَكْتُمُواْ الحق } .

وقد استعمل بنو إسرائيل الطريقتين لصرف الناس عن الإِسلام ، قد كان بعضهم يؤول نصوص كتيهم الدالة على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - تأويلا فاسداً ، يخلصون فيه الحق بالباطل ، ليوهموا العامة أنه ليس هو النبي المنتظر ، وكان بعضهم يلقى حول الحق الظاهر شبهاً ، لوقع ضعفاء الإِيمان في حيرة وتردد ، وكان بعضهم يخفى أو يحذف النصوص الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم ، والتي لا توافق أهواءهم وشهواتهم ، فنهاهم الله - تعالى - عن هذه التصرفات الخبيثة .

والمعنى : ولا تخلطوا الحق الواضح الذي نطقت به الكتب السماوية ، وأيدته العقول السليمة ، بالباطل الذي تخترعونه من عند أنفسكم ، إرضاء لأهوائكم ، ولا تكتموا الحق الذي تعرفونه ، كما تعرفون أبناءكم ، بغية انصراف الناس عنه " لأن من جهل شيئا عاداه ، فالنهي الأول عن التغيير والخلط ، والنهي الثاني عن الكتمان والإِخفاء .

وقوله تعالى { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } جملة حالية ، أي وأنتم من ذوي العلم ، ولا يناسب من كان كذلك أن يكتم الحق ، أو يلبسه بالباطل ، وإذا كان هذا الفعل - وهو لبس الحق بالباطل ، أو كتمانه وإظهار الباطل وحده - يعد من كبائر الذنوب ، فإن وقعه يكون أقبح ، وفساده أكبر ، وعاقبته أشأم متى صدر من عالم فاهم ، يميز بين الحق والباطل .

ففي هذه الجملة الكريمة بيان لحال بني إسرائيل ، المخاطبين بهذا النهي ، وتبكيت لهم ، لأنهم لم يفعلوا ما فعله عن جهالة ، وإنما عن علم وإصرار على سلوك هذا الطريق المعوج .

قال أبو حيان في البحر : " وهذه الحال ، وإن كان ظاهرها أنها قيد في النهي عن اللبس والكتم ، فلا تدل بمفهومها على جواز اللبس والكتم حالة الجهل ، إذ الجاهل بحال الشيء لا يردي كونه حقاً أو باطلا ، وإنما فادئتها بيان أن الإِقدام على الأشياء القبيحة ، مع العلم بها ، أفحش من الإِقدام عليها مع الجهل .

/خ43

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (42)

40

ويمضي السياق يحذرهم ما كانوا يزاولونه من تلبيس الحق بالباطل ، وكتمان الحق وهم يعلمونه ، بقصد بلبلة الأفكار في المجتمع المسلم ، وإشاعة الشك والاضطراب :

( ولا تلبسوا الحق بالباطل . وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) . .

ولقد زاول اليهود هذا التلبيس والتخليط وكتمان الحق في كل مناسبة عرضت لهم ، كما فصل القرآن في مواضع منه كثيرة ؛ وكانوا دائما عامل فتنة وبلبلة في المجتمع الإسلامي ، وعامل اضطراب وخلخلة في الصف المسلم . وسيأتي من أمثلة هذا التلبيس الشيء الكثير !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (42)

وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 42 )

المعنى ولا تخلطوا ، يقال «لبَسْتُ الأمر » بفتح الباء ألبسه ، إذا خلطته ومزجت بينه بمشكله وحقه بباطله . وأما قول الشاعر( {[544]} ) :

وكتيبة لبّستها بكتيبة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فالظاهر أنه من هذا المعنى ، ويحتمل أن يكون المعنى من اللباس ، واختلف أهل التأويل في المراد بقوله : { الحق بالباطل } .

فقال أبو العالية : «قالت اليهود : محمد نبي مبعوث ، لكن إلى غيرنا ، فإقرارهم ببعثه حق وجحدهم أنه بعث إليهم باطل » .

وقال الطبري : «كان من اليهود منافقون فما أظهروا من الإيمان حق ، وما أبطنوا من الكفر باطل » .

وقال مجاهد : «معناه لا تخلطوا اليهودية والنصرانية بالإسلام » .

وقال ابن زيد : المراد { بالحق } التوراة ، و «الباطل » ما بدلوا فيها من ذكر محمد عليه السلام ، و { تلبسوا } جزم بالنهي ، { وتكتموا } عطف عليه في موضع جزم( {[545]} ) ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار «أن » وإذا قدرت «أن » كانت مع { تكتموا } بتأويل المصدر ، وكانت الواو عاطفة على مصدر مقدر من { تلبسوا } ، كأن الكلام ولا يكن لبسكم الحق بالباطل وكتمانكم الحق .

وقال الكوفيون : { تكتموا } نصب بواو الصرف ، و { الحق } يعني به أمر محمد صلى الله عليه وسلم « .

وقوله تعالى : { وأنتم تعلمون } جملة في موضع الحال ولم يشهد لهم تعالى بعلم وإنما نهاهم عن كتمان ما علموا ، ويحتمل أن تكون شهادة عليهم بعلم حق مخصوص في أمر محمد عليه السلام ، ولم يشهد لهم بالعلم على الإطلاق ولا تكون الجملة على هذا في موضع الحال( {[546]} ) ، وفي هذه الألفاظ دليل على تغليظ الذنب على من واقعه على علم ، وأنه أعصى من الجاهل( {[547]} ) .

{ وأقيموا الصلاة } معناه : أظهروا هيئتها وأديموها بشروطها ، وذلك تشبيه بإقامة القاعد إلى حال ظهور ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ]

وإذا يقال أتيتمُ يبرحوا . . . حتى تقيمَ الخيلُ سوقَ طعان


[544]:- هو عنترة العبسي. بطل مشهور، وشاعر معروف، وعجز البيت: .......................... حتى إذا التبست نفضت لها يدي
[545]:- هذا أرجح الأعاريب في هذه الكلمة لأن ذلك يقتضي النهي عن كل بانفراده، وأما النصب بأن، أو بالصرف فإنه يجعل المنع منسحبا على الجمع بين الفعلين ويكون دالا بالمفهوم على جواز التلبس بأحدهما وذلك غير مراد.
[546]:- يعني أن الجملة الثبوتية تكون معطوفة على جملة النهي، ولا تكون حالا على هذا القول.
[547]:- أي الجاهل العاصي إذ لا يستوي العالم والجاهل أبدا في حياتهما.