التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ} (5)

ثم فصل - سبحانه - أحوال بعض الذين كذبوا بالساعة ، وبين ما ترتب على تكذيبهم من عذاب أليم فقال : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بالقارعة . فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية . وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } .

وثمود : هم قوم صالح - عليه السلام - ، سموا بذلك باسم جدهم ثمود . وقيل سموا بذلك لقلة المياه التى كانت فى مساكنهم ، لأن الثمد هو الماء القليل .

وكانت مساكنهم بين الحجاز والشام . وما زالت أماكنهم معروفة باسم قرى صالح وتقع بين المملكة الأردنية الهاشمية ، والمملكة العربية السعودية .

وقد ذكرت قصتهم فى سور : الأعراف ، وهود ، والشعراء ، والنمل ، والقمر . . إلخ .

وأما عاد فهم قبيلة عاد ، سوموا بذلك نسبة إلى جدهم الذى كان يسمى بهذا الاسم ، وكانت مساكنهم بالأحقاف باليمن - والأحقاف جمع حِقف وهو الرمل الكثير المائل . . وينتهى نسب عاد وثمود إلى نوح - عليه السلام - .

والقارعة : اسم فاعل من قرعه ، إذا ضربه ضربا شديدا ، ومنه قوارع الدهر ، أى : شدائده وأهواله ، ويقال : قرع فلان البعير ، إذا ضربه ومنه قولهم : العبد يقرع بالعصا .

ولفظ القارعة ، من أسماء يوم القيامة ، وسمى يوم القيامة بذلك ، لأنه يقرع القلوب ويزجرها لشدة أهواله : وهو صفة لموصوف محذوف ، أى : بالساعة القارعة .

والطاغية من الطغيان وهو تجاوز الحد ، والمراد بها هنا الصاعقة أو الصيحة التى أهلكت قوم ثمود ، كما قال - تعالى - : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً في أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } والعاتية من العتو بمعنى الشدة والقوة وتجاوز الحد .

أى : كذبت قبيلة ثمود ، وقبيلة عاد ، بالقيامة التى تقرع القلوب ، وتزلزل النفوس ، لإأما قبيلة " ثمود " فأهلكوا ، بالصيحة أو بالصاعقة ، أو بالرجفة ، التى تجاوزت الحد فى الشدة والهول والطغيان .

وأما قبيلة عاد ، فأهلكت بالريح الشديدة ، التى لها صوت عظيم ، والتى تجاوزت كل حد فى قوتها .

وابتدأ - سبحانه - بذكر ما أصاب هاتين القبيليتين ، لأنهما أكثر القبائل المكذبة معرفة لمشركى قريش ، لأنهما من القبائل العربية ، ومساكنها كانت فى شمال وجنوب الجزيرة العربية .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ} (5)

فلننظر كيف كانت عاقبة التكذيب . . ( فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ) . .

وثمود - كما جاء في مواضع أخرى - كانت تسكن الحجر في شمالي الحجاز بين الحجاز والشام . وكان أخذهم بالصيحة كما سماها في غير موضع . أما هنا فهو يذكر وصف الصيحة دون لفظها . . ( بالطاغية ) . . لأن هذا الوصف يفيض بالهول المناسب لجو السورة . ولأن إيقاع اللفظ يتفق مع إيقاع الفاصلة في هذا المقطع منها . ويكتفي بهذه الآية الواحدة تطوي ثمود طيا ، وتغمرهم غمرا ، وتعصف بهم عصفا ، وتطغى عليهم فلا تبقي لهم ظلا !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ} (5)

و { الطاغية } قال قتادة : معناه الصيحة التي خرجت عن حد كل صيحة ، وقال قوم : المراد بسبب الفئة الطاغية ، وقال آخرون منهم مجاهد وابن زيد : المعنى بسبب الفعلة الطاغية التي فعلوها . وقال ابن زيد : ما معناه : { الطاغية } مصدر كالعاقبة فكأنه قال بطغيانهم ، وقاله أبو عبيدة ويقوي هذا { كذبت ثمود بطغواها }{[11278]} [ الشمس : 11 ] وأولى الأقوال وأصوبها الأول لأنه مناسب لما ذكر في عاد ، إذ ذكر فيها الوجه الذي وقع به الهلاك ، وعلى سائر الأقوال لا يتناسب الأمران لأن طغيان ثمود سبب والريح لا يناسب ذلك لأنها ليست سبب الإهلاك ، بل هي آلة كما في الصيحة .


[11278]:الآية 10 من سورة الشمس.