التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ} (24)

وقد حكى القرآن ما رد به الله على آدم وحواء وإبليس ، فقال : { قَالَ اهبطوا } أى من الجنة إلى ما عداها . وقيل الخطاب لآدم وحواء وذريتهما . وقيل الخطاب لهما فقط لقوله - سبحانه - في آية أخرى { قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعاً } والقصة واحدة ، وضمير الجمع لكونهما أصل البشر .

وجملة { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } في موضع الحال من فاعل اهبطوا ، والمعنى اهبطوا إلى الأرض حالة كون العداوة لا تنفك بين آدم وذريته ، وبين إبليس وشيعته { وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ } أى موضع استقرار { وَمَتَاعٌ } أى : تمتع ومعيشة { إلى حِينٍ } أى : إلى حين انقضاء آجالكم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ} (24)

وهنا تكون التجربة الأولى قد تمت . وتكشف خصائص الإنسان الكبرى . وعرفها هو وذاقها . واستعد - بهذا التنبيه لخصائصه الكامنة - لمزاولة اختصاصه في الخلافة ؛ وللدخول في المعركة التي لا تهدأ أبداً مع عدوه . .

( قال : اهبطوا بعضكم لبعض عدو ، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين . قال : فيها تحيون ، وفيها تموتون ، ومنها تخرجون ) . .

وهبطوا جميعا . . هبطوا إلى هذه الأرض . . ولكن أين كانوا ؟ أين هي الجنة ؟ . . هذا من الغيب الذي ليس عندنا من نبأ عنه إلا ما أخبرنا به من عنده مفاتح الغيب وحده . . وكل محاولة لمعرفة هذا الغيب بعد انقطاع الوحي هي محاولة فاشلة . وكل تكذيب كذلك يعتمد على مألوفات البشر اليوم و( علمهم ) الظني هو تبجح . فهذا " العلم " يتجاوز مجاله حين يحاول الخوض في هذا الغيب بغير أداة عنده ولا وسيلة . ويتبجح حين ينفي الغيب كله ، والغيب محيط به في كل جانب ، والمجهول في " المادة " التي هي مجاله أكثر كثيراً من المعلومات !

لقد هبطوا جميعاً إلى الأرض . . آدم وزوجه ، وإبليس وقبيله . هبطوا ليصارع بعضهم بعضاً ، وليعادي بعضهم بعضاً ؛ ولتدور المعركة بين طبيعتين وخليقتين : إحداهما ممحضة للشر ، والأخرى مزدوجة الاستعداد للخير والشر ؛ وليتم الابتلاء ويجري قدر الله بما شاء .

وكتب على آدم وذريته أن يستقروا في الأرض ؛ ويمكنوا فيها ، ويستمتعوا بما فيها إلى حين .

/خ25

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ} (24)

المخاطبة بقوله : { اهبطوا } قال أبو صالح والسدي والطبري وغيرهم : هي لآدم وحواء وإبليس والحية ، وقالت فرقة : هي مخاطبة لآدم وذريته وإبليس وذريته .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف لعدمهم في ذلك الوقت ، فإن قيل خاطبهم وأمرهم بشرط الوجود فذلك يبعد في هذه النازلة لأن الأمر بشرط الوجود إنما يصح إذا ترتب على المأمور بعد وجوده وصح معناه عليه كالصلاة والصوم ونحو ذلك ، وأما هنا فإن معنى الهبوط لا يتصور في بنى آدم بعد وجودهم ولا يتعلق بهم من الأمر به شيء ، وأما قوله في آية أخرى { اهبطا } فهي مخاطبة لآدم وإبليس بدليل بيانه العداوة بينهما ، وعدو فرد بمعنى الجمع ، تقول قوم عدو وقوم صديق ، ومنه قول الشاعر :

لعمري لئن كنتم على النأي والغنى*** بكم مثل ما بي إنكم لصديق

وعداوة الحياة معروفة ، وروى قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم «ما سالمناهن منذ حاربناهن » ، وقال عبد الله بن عمر : «من تركهن فليس منا » ، وقالت عائشة «من ترك حية خشية من ثأرها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين » .

قال القاضي أبو محمد : وإنما يعرض في أمرهن حديث الفتى في غزوة الخندق ، وقول النبي عليه السلام : إن جناً بالمدينة قد أسلموا فمن رأى من هذه الحيات شيئاً في بيته فليحرج عليه ثلاثاً فإن رآه بعد ذلك فليقتله فإنما هو كافر .

وقوله تعالى : { مستقر } لفظ عام لزمن الحياة ولزمن الإقامة في القبور ، وبزمن الحياة فسر أبو العالية وقال : هي كقوله { الذي جعل لكم الأرض فراشاً } وبالإقامة في القبور فسر ابن عباس واللفظ يعمهما فهي كقوله : { ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياء وأمواتاً } وأما «المتاع » فهو بحسب شخص شخص في زمن الحياة اللهم إلا أن تقدر سكنى القبر متاعاً بوجه ما ، و «المتاع » التمتع والنيل من الفوائد ، و { إلى حين } هو بحسب الجملة قيام الساعة ، وبحسب مفرد بلوغ الأجل والموت ، والحين في كلام العرب الوقت غير معين .

وروي أن آدم عليه السلام أهبط بالهند وحواء بجدة ، وتمناها بمنى ، وعرف حقيقة أمرها بعرفة ، ولقيها بجمع وأهبط إبليس بميسان وقيل بالبصرة وقيل بمصر فباض فيها وفرخ ، قال ابن عمر وبسط إبليس فيها عبقريه ، وذكر صالح مولى التؤمة قال في بعض الكتب لما أهبط إبليس قال رب أين مسكني ؟ قال مسكنك الحمام ومجلسك الأسواق ولهوك المزامير وطعامك مالم يذكر عليه اسمي وشرابك المسكر ، ورسلك الشهوات وحبائلك النساء . وأهبطت الحية بأصبهان .

وروي أنها كانت ذات قوائم كالبعير فعوقبت بأن ردت تنساب على بطنها ، وروي أن آدم لما أهبط إلى شقاء الدنيا علم صنعة الحديد ثم علم الحرث فحرث وسقى وحصد وذرا وطحن وعجن وخبز وطبخ وأكل فلم يبلغ إلى ذلك حتى بلغ من الجهد ما شاء الله ، وروي أن حواء قيل لها يا حواء كما دميت الشجرة فأنت تدمين في كل شهر وأنت لا تحمل إلا كرهاً ولا تضع إلا كرهاً ، قال فرنت عند ذلك فقيل لها الرنة عليك وعلى ولدك .

قال القاضي أبو محمد : وفي هذه القصة من الأنباء كثير اختصرتها إذ لا يقتضيها اللفظ .