التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوٓاْ إِلَٰهَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (51)

وبعد أن بين - سبحانه - أن كل شئ فى هذا الكون خاضع لقدرته ، أتبع ذلك بالنهى عن الشرك ، وبوجوب إخلاص العبادة له ، فقال - تعالى - : { وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ . . . } . قال الإِمام الرازى : اعلم أنه - سبحانه - لما بين فى الآيات الأولى ، أن ما سوى الله - تعالى - سواء أكان من عالم الأرواح أم من عالم الأجسام ، منقاد وخاضع لجلاله - تعالى - وكبريائه - أتبعه فى هذه الآية بالنهي عن الشرك ، وببيان أن كل ما سواه واقع فى ملكه وتحت تصرفه ، وأنه غني عن الكل ، فقال - تعالى - : { وَقَالَ الله لاَ تَتَّخِذُواْ إلهين اثنين . . . } .

أي : وقال الله - تعالى - لعباده عن طريق رسله عليهم الصلاة والسلام - لا تتخذوا شركاء معي في العبادة والطاعة ، بل اجعلوهما لي وحدي ، فأنا الخالق لكل شيء والقادر على كل شيء .

قال الآلوسى : وقوله : { وقال الله . . } معطوف على قوله - سبحانه - { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض . . } وإظهار الفاعل ، وتخصيص لفظ الجلالة بالذكر ، للإِيذان بأنه - تعالى - متعين الألوهية والمنهي عنه هو الإشراك به ، لا أن المنهي عنه هو مطلق اتخاذ إلهين . . .

{ اثنين } صفة للفظ إلهين أو مؤكد له . وخص هذا العدد بالذكر ؛ لأنه الأقل ، فيعلم انتفاء اتخاذ ما فوقه بالطريق الأولى .

وقوله - سبحانه - { إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ } بيان وتوكيد لما قبله ، وهو مقول لقوله - سبحانه - { وقال الله } .

أي : وقال الله لا تتخذوا معي فى العبادة إلها آخر ، وقال - أيضا - إنما المستحق للعبادة إله واحد ، والقصر فى الجملة الكريمة من قصر الموصوف على الصفة ، أي : الله وحده هو المختص بصفة الوحدانية .

وقد نهى - سبحانه - عن الشرك في آيات كثيرة ، وأقام الأدلة على بطلانه ومن ذلك قوله - تعالى - { . . . وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها آخَرَ فتلقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً } وقوله - سبحانه - { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ الله رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ } والفاء فى قوله : { فإياي فارهبون } واقعة فى جواب شرط مقدر ، و { إياي } مفعول به لفعل محذوف يقدر مؤخرا ، يدل عليه قوله : { فارهبون } .

والرهبة : الخوف المصحوب بالتحرز ، وفعله رهب بزنة طرب .

والمعنى : إن رهبتم شيئا فإياي فارهبوا دون غيري ، لأني أنا الذي لا يعجزني شيء .

وفى الجملة الكريمة التفات من الغيبة إلى الخطاب ، للمبالغة فى التخويف ، إذ تخويف الحاضر أبلغ من تخويف الغائب ، لاسيما بعد أن وصف - سبحانه - ذاته بما وصف من صفات القهر والغلبة والكبرياء .

وقدم المفعول وهو إياي ؛ لإِفادة الحصر ، وحذف متعلق الرهبة ، للعموم .

أي : ارهبوني فى جميع ما تأتون وما تذرون .

والمتأمل فى هذه الآية الكريمة يراها قد اشتملت على ألوان من المؤكدات للنهي عن الشرك ، والأمر بإخلاص العبادة لله - تعالى - وحده ، تارة عن طريق التقرير { وقال الله . . } وتارة عن طريق النهي الصريح ، وتارة عن طريق القصر ، وتارة عن طريق التخصيص .

وذلك لكي يقلع الناس عن هذه الرذيلة النكراء ، ويؤمنوا بالله الواحد القهار .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوٓاْ إِلَٰهَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (51)

51

( وقال الله : لا تتخذوا إلهين اثنين ، إنما هو إله واحد فإياي فارهبون . وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا . أفغير الله تتقون . وما بكم من نعمة فمن الله ؛ ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون . ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشكرون ، ليكفروا بما آتيناهم ، فتمتعوا فسوف تعلمون ) . .

لقد أمر الله ألا يتخذ الناس إلهين اثنين . إنما هو إله واحد لا ثاني له . ويأخذ التعبير أسلوب التقرير والتكرير فيتبع كلمة إلهين بكلمة اثنين ، ويتبع النهي بالقصر إنما هو إله واحد . ويعقب على النهي والقصر بقصر آخر ( فإياي فارهبون ) دون سواي بلا شبيه أو نظير . ويذكر الرهبة زيادة في التحذير . . ذلك أنها القضية الأساسية في العقيدة كلها ، لا تقوم إلا بها ، ولا توجد إلا بوجودها في النفس واضحة كاملة دقيقة لا لبس فيها ولا غموض .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوٓاْ إِلَٰهَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (51)

{ وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين } ذكر العدد مع أن المعدود يدل عليه دلالة على أن مساق النهي إليه ، أو إيماء بأن الاثنينية تنافي الألوهية كما ذكر الواحد في قوله : { إنما هو إله واحد } للدلالة على أن المقصود إثبات الوحدانية دون الإلهية ، أو للتنبيه على أن الوحدة من لوازم الإلهية . { فإياي فارهبون } نقل من الغيبة إلى التكلم مبالغة في الترهيب وتصريحا بالمقصود فكأنه قال : فأنا ذلك الإله الواحد فإياي فارهبون لا غير .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوٓاْ إِلَٰهَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (51)

وقوله { وقال الله } الآية ، آية نهي من الله تعالى عن الإشراك به ومعناها : لا تتخذوا إلهين اثنين فصاعداً ، بما ينصه من قوله { إنما هو إله واحد } ، قالت فرقة : المفعول الأول ب { تتخذوا } قوله { إلهين } ، وقوله { اثنين } تأكيد وبيان بالعدد ، وهذا معروف في كلام العرب أن يبين المعدود وبذكر عدده تأكيداً ، ومنه قوله { إله واحد }{[7332]} لأن لفظ { إله } يقتضي الانفراد ، وقال قوم منهم : المفعول الثاني محذوف تقديره معبوداً أو مطاعاً ونحو هذا ، وقالت فرقة : المفعول الأول { اثنين } ، والثاني قوله { إلهين } ، وتقدير الكلام : لا تتخذوا اثنين إلهين ، ومثله قوله تعالى : { ألا تتخذوا من دوني وكيلاً ذرية من حملنا مع نوح } {[7333]}[ الإسراء : 2-3 ] ففي هذه الآية على بعض الأقوال تقديم المفعول الأول لِ { تتخذوا } ، وقوله : { فإياي } منصوب بفعل مضمر تقديره فارهبوا إياي فارهبون ولا يعمل فيه الفعل ؛ لأنه قد عمل في الضمير المتصل به .


[7332]:ورد ذلك في هذه الآية: {إنما هو إله واحد}، وتكرر ذلك في القرآن الكريم مرات كثيرة.
[7333]:من الآيتين (2 و 3) من سورة (الإسراء).