محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوٓاْ إِلَٰهَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (51)

وقوله :

/ [ 51 ] { * وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإيّاي فارهبون 51 } .

{ وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإيّاي فارهبون } . إعلام بنهيه الصريح عن الإشراك . وبأمره بعبادته وحده ، وإنما خصص هذا العدد لأنه الأقل ، فيعلم انتفاء ما فوقه بالدلالة . فإن قيل : الواحد والمثنى نص في معناهما ، لا يحتاج معهما إلى ذكر العدد ، كما يذكر مع الجميع . أي في نحو رجال ثلاثة وأفراس أربعة ، لأن المعدود عار عن الدلالة على العدد الخاص ، فلم ذكر العدد فيهما ؟ أجيب بأن العدد يدل على أمرين : الجنسية والعدد المخصوص . فلما أريد الثاني صرح به للدلالة على أنه المقصود الذي سيق الكلام وتوجه له النهي دون غيره . فإنه يراد بالمفرد الجنس نحو : نعم الرجل زيد . وكذا المثنى كقوله{[5278]} :

فإن النار بالعودين تذكى *** وإن الحرب أولها الكلام

وقيل : ذكر العدد للإيماء بأن الاثنينيّة تنافي الألوهية . فهو في معنى قوله{[5279]} : { لو كان / فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } فلذا صرح بها . وعقبت بذكر الوحدة التي هي من لوازم الألوهية .

قال الشهاب : ولا حاجة إلى جعل الضمير للمعبود بحق المراد من الجلالة على طريق الاستخدام .

وقوله تعالى : { وقال الله } معطوف على قوله : { ولله يسجد } أو على قوله : { وأنزلنا إليك الذكر } وقيل : إنه معطوف على : { ما خلق الله } على أسلوب{[5280]} * علفتها تبنا وماء باردا *

/ أي : { أو لم يروا إلى ما خلق الله } ولم يسمعوا ما قال الله ؟ . ولا يخفى تكلفه . وفي قوله : { فإياي فارهبون } التفات عن الغيبة ، مبالغة في الترهيب . فإن تخويف الحاضر مواجهة ، أبلغ من ترهيب الغائب ، لاسيما بعد وصفه بالوحدة والألوهية المقتضية للعظمة والقدرة التامة على الانتقام .


[5278]:قائله نصر بن سيار. من أربعة أبيات، يحسن الوقوف عليها، ومعرفة سبب قولها. قال ابن قتيبة في (عيون الأخبار) بالصفحة رقم 128 من الجزء الثاني. كان يزيد بن عمر بن هبيرة يحب أن يضع من نصر بن سيّار. فكان لا يمده بالرجال، ولا يرفع ما يرد من أخبار خراسان، فلما كثر ذلك على نصر. قال: أرى خلل الرماد وميض جمر ويوشك أن يكون له ضرام والبيت... = فإن لم يطفها عقلاء قوم*** يكون وقودها جثت وهام فقلت من التعجب: ليت شعري!*** أأيقاظ أمية أم نيام
[5279]:[21 / الأنبياء / 22].
[5280]:وعجز البيت: * حتى غدت همالة عيناها * الشاهد رقم 115 من شرح شذور الذهب لابن هشام. قال صاحب (منتهى الأرب): لم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين. ويروي صدره عجزا في بيت آخر، هكذا: لمّا حططت الرحل عنها واردا *** علفتها تبنا وماء باردا الشاهد فيه قوله: (وماء) فإنه لا يمكن عطفه على ما قبله، العامل في المعطوف عليه، لا يصح تسليطه على المعطوف مع بقاء معناه على حاله. وللعلماء ثلاثة آراء في تخريج هذا البيت ونحوه. أحدها- أن قوله: (وماء) لا يجوز أن يكون مفعولا معه، كما لا يجوز أن يكون معطوفا على ما قبله عطف مفرد على مفرد. بل هو مفعول لفعل محذوف يناسبه. وهذا الوجه هو الذي ذكره المؤلف ههنا. وانظر مزيدا في ذلك بالصفحة رقم 241.