إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوٓاْ إِلَٰهَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (51)

وبعد ما بُيّن أن جميعَ الموجودات يُخَصّون بالخضوع والانقياد أصلاً لله عز وجل أُردف ذلك بحكاية نهْيِه سبحانه وتعالى للمكلفين عن الإشراك فقيل : { وَقَالَ الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون } . { وَقَالَ الله } عطف على قوله : ولله يسجد ، وإظهارُ الفاعل وتخصيصُ لفظة الجلالة بالذكر للإيذان بأنه متعيِّنُ الألوهية ، وإنما المنهيُّ عنه هو الإشراكُ به لا أن المنهيَّ عنه مطلقُ اتخاذِ إلهين بحيث يتحقق الانتهاءُ عنه برفض أيِّهما كان ، أي قال تعالى لجميع المكلفين : { لاَ تَتَّخِذُواْ إلهين اثنين } وإنما ذُكر العددُ مع أن صيغة التثنيةِ مغنيةٌ عن ذلك دلالةً على أن مساقَ النهي هو الاثنَيْنيّة وأنها منافيةٌ للألوهية كما أن وصفَ الإله بالوَحدة في قوله تعالى : { إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ } للدلالة على أن المقصودَ إثباتُ الوحدانية وأنها من لوازم الإلهية ، وأما الإلهية فأمرٌ مسلَّمُ الثبوت له سبحانه وإليه أشير حيث أُسند إليه القول ، وفيه التفاتٌ من التكلم إلى الغَيبة على رأي من اكتفى في تحقق الالتفاتِ بكون الأسلوب الملتفَتِ عنه حقَّ الكلام ، ولم يشترِط سبقَ الذكرِ على ذلك الوجه { فإياي فارهبون } التفاتٌ من الغيبة إلى التكلم لتربية المهابةِ وإلقاءِ الرهبة في القلوب ، ولذلك قدّم المفعولَ وكرر الفعلَ ، أي إن كنتم راهبين شيئاً فإيايَ فارهبون لا غيرُ ، فإني ذلك الواحدُ الذي يسجُد له ما في السماوات والأرض .