التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

والفاء فى قوله - سبحانه - : { اتقوا الله مَا استطعتم } للإفصاح والتفريع على ما تقدم .

و { مَا استطعتم } مصدرية ظرفية .

والمراد بالاستطاعة : نهاية الطاقة والجهد .

أى : إذا كان الأمر كما ذكرت لكم من أن المؤمن الصادق فى إيمانه هو الذى لا يشغله ماله أو ولده أو زوجه عن ذكر الله - تعالى - فابذلوا نهاية قدرتكم واستطاعتكم فى طاعة الله - تعالى - وداوموا على ذلك فى جميع الأوقات والأزمان .

وليس بين هذه الآية ، وبين قوله - تعالى - { اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ } تعارض ، لأن كلتا الآيتين تأمران المسلم بأن يبذل قصارى جهده ، ونهاية طاقته ، فى المواظبة على أداء ما كلفه الله به ، ولذلك فلا نرى ما يدعو إلى قول من قال : إن الآية التى معنا نسخت الآية التى تقول : { ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ } قال الآلوسى : أخرج ابن أبى حاتم عند سعيد بن جبير قال : لما نزلت : { اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ } اشتد على القوم العمل ، فقاموا حتى ورمت أقدامهم . فأنزل الله هذه الآية { فاتقوا الله مَا استطعتم } تخفيفا على المسلمين .

وحذف متعلق التقوى ، لقصد التعميم ، أى : فاتقوا الله مدة استطاعتكم فى كل ما تأتون وما تذرون ، واعلموا أنه - تعالى - { يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر } و

{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ } ومن الأحاديث التى وردت فى معنى الآية الكريمة ، ما رواه البخارى عن جابر بن عبد الله قال : " بايعت رسول الله - صلى الله - عليه وسلم - على السمع والطاعة ، فلقننى " فيما استطعت " " .

وعطف قوله - تعالى - { واسمعوا وَأَطِيعُواْ } على قوله { فاتقوا الله } من باب عطف الخاص على العام ، للاهتمام به .

أى : فاتقوا الله - تعالى - فى كل ما تأتون وما تذرون ، واسمعوا ما يبلغكم إياه رسولنا عنا سماع تدبر وتفكر ، وأطيعوه فى كل ما يأمركم به أو ينهاكم عنه .

{ وَأَنْفِقُواْ } مما رزقكم الله - تعالى - من خير ، يكن ذلك الإنفاق { خَيْراً لأَنفُسِكُمْ } فى دنياكم وفى آخرتكم .

{ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } أى : ومن يستطع أن يبعد نفسه عن الشح والبخل .

{ فأولئك هُمُ المفلحون } أى : الفائزون فوزا تاما لا نقص معه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

ويهتف للذين آمنوا بتقوى الله في حدود الطاقة والإستطاعة ، وبالسمع والطاعة :

( فاتقوا الله ما استطعتم - واسمعوا وأطيعوا ) . .

وفي هذا القيد : ( ما استطعتم )يتجلى لطف الله بعباده ، وعلمه بمدى طاقاتهم في تقواه وطاعته . وقد قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " فالطاعة في الأمر ليس لها حدود ، ومن ثم يقبل فيها ما يستطاع . أما النهي فلا تجزئة فيه فيطلب بكامله دون نقصان . ويهيب بهم إلى الإنفاق :

( وأنفقوا خيرا لأنفسكم ) . .

فهم ينفقون لأنفسهم . وهو يأمرهم أن ينفقوا الخير لأنفسهم . فيجعل ما ينفقونه كأنه نفقة مباشرة لذواتهم ، ويعدها الخير لهم حين يفعلون .

ويريهم شح النفس بلاء ملازما . السعيد السعيد من يخلص منه ويوقاه ؛ والوقاية منه فضل من الله :

( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

فاتقوا الله ما استطعتم أي ابذلوا في تقواه جهدكم وطاقتكم واسمعوا مواعظه وأطيعوا أوامره وأنفقوا في وجوه الخير خالصا لوجهه خيرا لأنفسكم أي افعلوا ما هو خير لها وهو تأكيد للحث على امتثال هذه الأوامر ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف تقديره انفاقا خيرا أو خبرا لكان مقدرا جوابا للأوامر ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون سبق تفسيره .