ثم بين - سبحانه - ما يجرى على الناس فى هذا اليوم فقال : { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تخفى مِنكُمْ خَافِيَةٌ } .
والعرض أصله : إظهار الشئ لمن يريد التأمل فيه ، أو الحصول عليه ، ومنه عرض البائع سلعته على المشترى .
وهو هنا كناية عن لازمه وهو المحاسبة .
أى : فى هذا اليوم تعرضون للحساب والجزاء ، لا تخفى منكم خافية ، أى تعرضون للحساب ، دون أن يخفى منكم أحد على الله - تعالى - أو دون أن تخفى منكم نفس واحدة على خالقها - عز وجل - .
قال الجمل : وقوله : { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ } أى : تسألون وتحاسبون ، وعبر عنه بذلك تشبيها له بعرض السلطان العسكر والجند ، لينظر فى أمرهم فيختار منهم المصلح للتقريب والإِكرام ، والمفسد للإِبعاد والتعذيب .
( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ) . .
فالكل مكشوف . مكشوف الجسد ، مكشوف النفس ، مكشوف الضمير ، مكشوف العمل ، مكشوف المصير . وتسقط جميع الأستار التي كانت تحجب الأسرار ، وتتعرى النفوس تعري الأجساد ، وتبرز الغيوب بروز الشهود . . ويتجرد الإنسان من حيطته ومن مكره ومن تدبيره ومن شعوره ، ويفتضح منه ما كان حريصا على أن يستره حتى عن نفسه ! وما أقسى الفضيحة على الملأ . وما أخزاها على عيون الجموع ! أما عين الله فكل خافية مكشوفة لها في كل آن . ولكن لعل الإنسان لا يشعر بهذا حق الشعور ، وهو مخدوع بستور الأرض . فها هو ذا يشعر به كاملا وهو مجرد في يوم القيامة . وكل شيء بارز في الكون كله . الأرض مدكوكة مسواة لا تحجب شيئا وراء نتوء ولا بروز . والسماء متشققة واهية لا تحجب وراءها شيئا ، والأجسام معراة لا يسترها شيء ، والنفوس كذلك مكشوفة ليس من دونها ستر وليس فيها سر !
ألا إنه لأمر عصيب . أعصب من دك الأرض والجبال ، وأشد من تشقق السماء ! وقوف الإنسان عريان الجسد ، عريان النفس ، عريان المشاعر ، عريان التاريخ ، عريان العمل ما ظهر منه وما استتر . أمام تلك الحشود الهائلة من خلق الله ، من الإنس والجن والملائكة ، وتحت جلال الله وعرشه المرفوع فوق الجميع . .
وأن طبيعة الإنسان لمعقدة شديدة التعقيد ؛ ففي نفسه منحنيات شتى ودروب ، تتخفى فيها نفسه وتتدسس بمشاعرها ونزواتها وهفواتها وخواطرها وأسرارها وخصوصياتها . وإن الإنسان ليصنع أشد مما تصنعه القوقعة الرخوة الهلامية حين تتعرض لوخزة إبرة ، فتنطوي سريعا ، وتنكمش داخل القوقعة ، وتغلق على نفسها تماما . إن الإنسان ليصنع أشد من هذا حين يحس أن عينا تدسست عليه فكشفت منه شيئا مما يخفيه ، وأن لمحة أصابت منه دربا خفيا أو منحنى سريا ! ويشعر بقدر عنيف من الألم الواخز حين يطلع عليه أحد في خلوة من خلواته الشعورية . .
فكيف بهذا المخلوق وهو عريان . عريان حقا . عريان الجسد والقلب والشعور والنية والضمير . عريان من كل ساتر . عريان . . . كيف به وهو كذلك تحت عرش الجبار ، وأمام الحشد الزاخر بلا ستار ? !
وعلى هذا قال يوم تعرضون تشبيها للمحاسبة بعرض السلطان لتعرف أحوالهم وهذا وإن كان بعد النفخة الثانية لكن لما كان اليوم اسما لزمان متسع تقع فيه النفختان والصعقة والنشور والحساب وإدخال أهل الجنة الجنة وأهل النار النار صح ظرفا للكل لا تخفى منكم خافية سريرة على الله تعالى حتى يكون العرض للاطلاع عليها وإنما المراد منه إفشاء الحال والمبالغة في العدل أو على الناس كما قال الله تعالى يوم تبلى السرائر وقرأ حمزة والكسائي بالياء للفصل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.