التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيۡنِي وَبَيۡنِكَۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأۡوِيلِ مَا لَمۡ تَسۡتَطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرًا} (78)

{ هذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ } أى : هذا الذى قلته لى ، يجعلنا نفترق ، لأنك قد قلت لى قبل ذلك : { إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي } وها أنت تسألنى وتحرضنى على أخذ الأجر .

ومع ذلك فانتظر : سأنبئك ، قبل مفارقتى لك { بتأويل } أى : بتفسير وبيان ما خفى عليك من الأمور الثلاثة التى لم تستطع عليها صبرا ، لأنك لم يكن عندك ما عندى من العلم بأسرارها الباطنة التى أطعلنى الله - تعالى - عليها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيۡنِي وَبَيۡنِكَۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأۡوِيلِ مَا لَمۡ تَسۡتَطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرًا} (78)

وكانت هي الفاصلة . فلم يعد لموسى من عذر ، ولم يعد للصحبة بينه وبين الرجل مجال :

( قال : هذا فراق بيني وبينك . سأنبئك بتأويل ما لم تستطيع عليه صبرا ) .

وإلى هنا كان موسى - ونحن الذين نتابع سياق القرآن - أمام مفاجآت متوالية لا نعلم لها سرا . وموقفنا منها كموقف موسى . بل نحن لا نعرف من هو هذا الذي يتصرف تلك التصرفات العجيبة ، فلم ينبئنا القرآن باسمه ، تكملة للجو الغامض الذي يحيط بنا . وما قيمة اسمه ? إنما يراد به أن يمثل الحكمة الإلهية العليا ، التي لا ترتب النتائج القريبة على المقدمات المنظورة ، بل تهدف إلى أغراض بعيدة لا تراها العين المحدودة . فعدم ذكر اسمه يتفق مع الشخصية المعنوية التي يمثلها . وإن القوى الغيبية لتتحكم في القصة منذ نشأتها . فها هو ذا موسى يريد أن يلقى هذا الرجل الموعود . فيمضي في طريقه ؛ ولكن فتاه ينسى غداءهما عند الصخرة ، وكأنما نسيه ليعودا . فيجد هذا الرجل هناك . وكان لقاؤه يفوتهما لو سارا في وجهتهما ، ولو لم تردهما الأقدار إلى الصخرة كرة أخرى . . كل الجو غامض مجهول ، وكذلك اسم الرجل الغامض المجهول في سياق القرآن .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيۡنِي وَبَيۡنِكَۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأۡوِيلِ مَا لَمۡ تَسۡتَطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرًا} (78)

{ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ } [ أي : لأنك شرطت عند قتل الغلام أنك إن سألتني عن شيء بعدها فلا تصاحبني ، فهو فراق بيني وبينك ]{[18355]} ، { سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ } أي : بتفسير { مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } .

/خ65


[18355]:زيادة من ف، أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيۡنِي وَبَيۡنِكَۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأۡوِيلِ مَا لَمۡ تَسۡتَطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرًا} (78)

ثم قال الخضر لموسى بحسب شرطهما { هذا فراق بيني وبينك } واشترط الخضر ، وأعطاه موسى أن لا يقع سؤال عن شيء ، والسؤال أقل وجوه الاعتراضات ، فالإنكار والتخطئة أعظم منه ، وقوله { لو شئت لتخذت عليه أجراً } وإن لم يكن سؤالاً ففي ضمنه الإنكار لفعله ، والقول بتصويب أخذ الأجر ، وفي ذلك تخطئة ترك الأجر ، والبين الصلاح ، الذي يكون بين المصطحبين ونحوهما ، وذلك مستعار فيه من الظرفية ، ويستعمل استعمال السماء ، وأما فصله ، وتكريره { بيني وبينك } وعدوله عن بيننا ، فلمعنى التأكيد ، والسين في قوله { سأنبئك } مفرقة بين المحاورتين والصحبتين ، ومؤذنة بأن الأولى قد انقطعت ، ثم أخبره في مجلسه ذلك وفي مقامه { بتأويل } تلك القصص والتأويل هنا المآل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيۡنِي وَبَيۡنِكَۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأۡوِيلِ مَا لَمۡ تَسۡتَطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرًا} (78)

المشار إليه بلفظ { هذا } مقدر في الذهن حاصل من اشتراط موسى على نفسه أنه إن سأله عن شيء بعد سؤاله الثاني فقد انقطعت الصحبة بينهما ، أي هذا الذي حصل الآن هو فراق بيننا ، كما يقال : الشرطُ أمْلَك عليك أمْ لك . وكثيراً ما يكون المشار إليه مقدراً في الذهن كقوله تعالى : { تلك الدار الآخرة } [ القصص : 83 ] . وإضافة { فراق } إلى { بيتي } من إضافة الموصوف إلى الصفة . وأصله : فراقٌ بيني ، أي حاصل بيننا ، أو من إضافة المصدر العامل في الظرف إلى معموله ، كما يضاف المصدر إلى مفعوله . وقد تقدم خروج ( بين ) عن الظرفية عند قوله تعالى : { فلما بلغا مجمع بينِهما } [ الكهف : 61 ] .

وجملة { سأُنْبِئُك } مستأنفة استئنافاً بيانياً ، تقع جواباً لسؤال يهجس في خاطر موسى عليه السلام عن أسباب الأفعال التي فعلها الخضر عليه السلام وسأله عنها موسى فإنه قد وعده أن يُحدث له ذكراً مما يفعله .

والتأويل : تفسير لشيء غير واضح ، وهو مشتق من الأول وهو الرجوع . شبه تحصيل المعنى على تكلف بالرجوع إلى المكان بعد السير إليه . وقد مضى في المقدمة الأولى من مقدمات هذا التفسير ، وأيضاً عند قوله تعالى : { وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم يقولون } الخ . . من أول سورة آل عمران ( 7 ) .

وفي صلة الموصول من قوله { مَا لَمْ تَسْتطِع عليه صَبْراً } تعريض باللوم على الاستعجال وعدم الصبر إلى أن يأتيه إحداث الذكر حسبما وعده بقوله { فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً } .