التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ} (17)

ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك ، إلى الحديث عن جانب من نعم الله - تعالى - على خلقه ، وموقفهم من هذه النعم ، فقال - تعالى - :

{ قُتِلَ الإنسان مَآ . . . } .

قال الإِمام الرازى : اعلم أنه - تعالى - لما بدأ بذكر القصة المشتملة على ترفع صناديد قريش على فقراء المسملين ، عجب عباده المؤمنين من ذلك ، فكأنه قيل : وأى سبب فى هذا العجب والترفع ؟ مع أن أوله نطفة قذرة ، وآخره جيفة مذرة ، وفيما بين الوقتين حمال عذرة ، فلا عجب أن ذكر الله - تعالى - ما يصلح أن يكون علاجا لعجبهم وما يصلح أن يكون علاجا لكفرهم ، فإن خلقه الإِنسان يستدل بها على وجود الصانع ، وعلى القول بالبعث والحشر والنشر . .

والمراد بالإِنسان هنا : الإِنسان الكافر الجاحد لنعم ربه . ومعنى " قتل " لعن وطرد من رحمة الله - تعالى - ، ويصح أن يكون المراد به الجنس ، ويدخل فيه الكافر دخولا أوليا أى : لعن وطرد من رحمة الله - تعالى - ذلك الإِنسان الذى ما أشده كفره وجحوده لنعم الله - تعالى - .

والدعاء عليه باللعن من الله - تعالى - ، المقصود به : التهديد والتحقير من شأن هذا الإِنسان الجاحد ، إذ من المعلوم أن الله - سبحانه - هو الذى يتوجه إليه الناس بالدعاء ، وليس هو - سبحانه - الذى يدعو على غيره ، إذ الدعاء فى العادة إنما يكون من العاجز ، وجل شأن الله - تعالى - عن العجز .

وجملة " ما أكفره " تعليل لاستحقاق هذا الإِنسان الجاحد التحقير والتهديد .

وهذه الآية الكريمة المتأمل فيها يراها - مع بلوغها نهاية الإِيجاز - قد بلغت - أيضا - نهاية الإِعجاز فى أسلوبها ، حيث جمعت أشد ألوان الذم والتحقير بأبلغ أسلوب وأوجزه .

ولذ قال صاحب الكشاف : { قُتِلَ الإنسان } دعاء عليه ، وهى من أشنع دعواتهم ، لأن القتل قصارى شدائد الدنيا وفظائعها { مَآ أَكْفَرَهُ } تعجيب من إفراطه فى كفران نعمة الله ، ولا ترى أسلوبا أغلظ منه ولا أخشن متنا ، ولا أدل على سخط ، ولا أبعد فى المذمة ، مع تقارب طرفيه ، ولا أجمع لِلائمةٍ ، على قصر متنه . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ} (17)

وبعد تقرير تلك الحقيقة الكبيرة في ثنايا التعقيب على ذلك الحادث ، في المقطع الأول من السورة ، يعجب السياق في المقطع الثاني من أمر هذا الإنسان ، الذي يعرض عن الهدى ، ويستغني عن الإيمان ، ويستعلي على الدعوة إلى ربه . . يعجب من أمره وكفره ، وهو لا يذكر مصدر وجوده ، وأصل نشأته ، ولا يرى عناية الله به وهيمنته كذلك على كل مرحلة من مراحل نشأته في الأولى والآخرة ؛ ولا يؤدي ما عليه لخالقه وكافله ومحاسبه :

( قتل الإنسان ما أكفره ! من أي شيء خلقه ! من نطفة خلقه فقدره . ثم السبيل يسره . ثم أماته فأقبره . ثم إذا شاء أنشره . كلا ! لما يقض ما أمره ) . .

( قتل الإنسان ! ) . . فإنه ليستحق القتل على عجيب تصرفه . . فهي صيغة تفظيع وتقبيح وتشنيع لأمره . وإفادة أنه يرتكب ما يستوجب القتل لشناعته وبشاعته . .

ما أكفره ! . . ما أشد كفره وجحوده ونكرانه لمقتضيات نشأته وخلقته . ولو رعى هذه المقتضيات لشكر خالقه ، ولتواضع في دنياه ، ولذكر آخرته . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ} (17)

يقول تعالى ذاما لمن أنكر البعث والنشور من بني آدم : ( قُتِلَ الإنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ) قال الضحاك ، عن ابن عباس : ( قُتِلَ الإنْسَانُ ) لعن الإنسان . وكذا قال أبو مالك . وهذا لجنس الإنسان المكذب ؛ لكثرة تكذيبه بلا مستند ، بل بمجرد الاستبعاد وعدم العلم .

قال ابن جرير{[29699]} ( مَا أَكْفَرَهُ ) ما أشد كفره ! وقال ابن جرير : ويحتمل أن يكون المراد : أي شيء جعله كافرا ؟ أي : ما حمله على التكذيب بالمعاد{[29700]} .

وقال قتادة - وقد حكاه البغوي عن مقاتل والكلبي - : ( مَا أَكْفَرَهُ ) ما ألعنه .


[29699]:- (1) في أ: "ابن جريح"
[29700]:- (2) تفسير الطبري (30/35)، وقد تصرف الحافظ هنا في كلامه
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ} (17)

وقوله تعالى : { قتل الإنسان ما أكفره } دعاء على اسم الجنس وهم عموم يراد به الخصوص ، والمعنى : قتل الإنسان الكافر ، ومعنى { قتل } أي هو أهل أن يدعى عليه بهذا ، وقال مجاهد : { قتل } بمعنى لعن ، وهذا تحكم ، وقوله تعالى : { ما أكفره } يحتمل معنى التعجب ، ويحتمل معنى الاستفهام توقيفاً أي أيّ شيء { أكفره } أي جعله كافراً ، وقيل إن هذه الآية نزلت في عتبة بن أبي لهب ، وذلك أنه غاضب أباه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن أباه استصلحه وأعطاه مالاً وجهزه إلى الشام ، فبعث عتبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : إني كافر برب النجم إذا هوى ، فيروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

«اللهم ابعث عليه كلبك حتى يأكله » ويروى أنه قال : «ما يخاف أن يرسل عليك كلبه » ، ثم إن عتبة خرج في سفرة فجاء الأسد فأكله من بين رفاقه{[11625]} .


[11625]:قال الإمام السيوطي في الدر المنثور: "أخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله: (قتل الإنسان ما أكفره) قال: نزلت في عتبة بن أبي لهب حين قال: "كفرت برب النجم إذا هوى، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه الأسد بطريق الشام". وروى الضحاك هذا الخبر عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكر ذلك القرطبي.