وقوله : { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } بيان لسوء مصيرهم يوم القيامة .
وكلا هنا تأكيد لسابقتها لزيادة الردع والزجر ، ويصح أن تكون كلا هنا بمعنى حقا .
أى : حقا إن هؤلاء الفجار سيكونون يوم القيامة فى حالة احتجاب وامتناع عن رؤية الله - تعالى - وعن رضاه .
قال الآلوسى : " كلا " ردع وزجر عن الكسب الرائن ، أو بمعنى حقا " إنهم " . أى : هؤلاء المكذبين { عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُون } لا يرونه - سبحانه - وهو - وعز وجل - حاضر ناظر لهم ، بخلاف المؤمنين ، فالحجاب : مجاز عن عدم الرؤية ، لأن المحجوب لا يرى ما حجب ، و الحجب المنع ، والكلام على حذف مضاف . أى : عن رؤية ربهم لممنوعن فلا يرونه - سبحانه - .
واحتج مالك - رحمه الله - بهذه الآية ، على رؤية المؤمنين له - تعالى - ، من جهة دليل الخطاب ، وإلا فلو حجب الكل لما أغنى هذا التخصيص .
وقال الشافعى - رحمه الله - : لما حجب - سبحانه - قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضا . .
كلا ! إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون . ثم إنهم لصالو الجحيم . ثم يقال : هذا الذي كنتم به تكذبون . .
لقد حجبت قلوبهم المعاصي والآثام ، حجبتها عن الإحساس بربها في الدنيا . وطمستها حتى أظلمت وعميت في الحياة . . فالنهاية الطبيعية والجزاء الوفاق في الآخرة أن يحرموا النظر إلى وجه الله الكريم ، وأن يحال بينهم وبين هذه السعادة الكبرى ، التي لا تتاح إلا لمن شفت روحه ورقت وصفت واستحقت أن تكشف الحجب بينها وبين ربها . ممن قال فيهم في سورة القيامة :
( وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة ) . .
وهذا الحجاب عن ربهم ، عذاب فوق كل عذاب ، وحرمان فوق كل حرمان . ونهاية بائسة لإنسان يستمد إنسانيته من مصدر واحد هو اتصاله بروح ربه الكريم .
وقوله : { كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } أي : لهم يوم القيامة مَنزلٌ ونزل سجين ، ثم هم يوم القيامة مع{[29852]} ذلك محجوبون عن رؤية ربهم وخالقهم .
قال الإمام أبو عبد الله الشافعي : [ في ]{[29853]} هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه عز وجل يومئذ{[29854]} .
وهذا الذي قاله الإمام الشافعي ، رحمه الله ، في غاية الحسن ، وهو استدلال بمفهوم هذه الآية ، كما دل عليه منطوق قوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 ، 23 ] . وكما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح{[29855]} المتواترة في رؤية المؤمنين ربهم عز وجل في الدار الآخرة ، رؤية بالأبصار في عَرَصات القيامة ، وفي روضات الجنان الفاخرة .
وقد قال ابن جرير [ محمد بن عمار الرازي ]{[29856]} : حدثنا أبو معمر المنْقَريّ ، حدثنا عبد الوارث ابن سعيد ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن في قوله : { كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } قال : يكشف الحجاب ، فينظر إليه المؤمنون والكافرون ، ثم يحجب عنه الكافرون وينظر إليه المؤمنون . كُلّ يوم غدوة وعشية - أو كلاما هذا معناه .
و { كلا } في قوله تعالى : { كلا إنهم على ربهم } يصلح فيها الوجهان اللذان تقدم ذكرهما ، والضمير في قوله : { إنهم عن ربهم } هو للكفار ، قال بالرؤية وهو قوله أهل السنة ، قال إن هؤلاء لا يرون ربهم فهم محجوبون عنه ، واحتج بهذه الآية مالك بن أنس عن مسألة الرؤية من جهة دليل الخطاب وإلا فلو حجب الكل لما أغنى هذا التخصص ، وقال الشافعي : لما حجب قوم بالسخط دل على أن قوماً يرونه بالرضى ، ومن قال بأن لا رؤية وهو قول المعتزلة ، قال في هذه الآية : إنهم محجوبون عن رحمة ربهم وغفرانه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.