التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَمَا ٱسۡطَٰعُوٓاْ أَن يَظۡهَرُوهُ وَمَا ٱسۡتَطَٰعُواْ لَهُۥ نَقۡبٗا} (97)

{ فَمَا اسطاعوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْباً } .

أى : فما استطاع قوم يأجوج ومأجوج أن يرتفعوا على ظهر السد ، أو يرقوا فوقه لملاسته وارتفاعه ، وما استطاعوا - أيضاً - أن يحدثوا فيه نقبا أو خرقا لصلابته ومتانته وثخانته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَمَا ٱسۡطَٰعُوٓاْ أَن يَظۡهَرُوهُ وَمَا ٱسۡتَطَٰعُواْ لَهُۥ نَقۡبٗا} (97)

83

بذلك التحم الحاجزان ، وأغلق الطريق على يأجوج ومأجوج ( فما اسطاعوا أن يظهروه ) ويتسوروه ( وما استطاعوا له نقبا ) فينفذوا منه . وتعذر عليهم أن يهاجموا أولئك القوم الضعاف المتخلفين . فأمنوا واطمأنوا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَمَا ٱسۡطَٰعُوٓاْ أَن يَظۡهَرُوهُ وَمَا ٱسۡتَطَٰعُواْ لَهُۥ نَقۡبٗا} (97)

ثم قال الله تعالى : { فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا }

يقول تعالى مخبرًا عن يأجوج ومأجوج أنهم ما قدروا على أن يصعدوا{[18503]} فوق هذا السد ولا قدروا على نقبه من أسفله . ولما كان الظهور عليه أسهل من نقبه قابل كلا بما يناسبه فقال : { فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا } وهذا دليل على أنهم لم{[18504]} يقدروا على نقبه ، ولا على شيء منه .

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد :

حدثنا روح ، حدثنا سعيد بن أبي عَرُوبَة ، عن قتادة ، حدثنا أبو رافع ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم ، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدًا فيعودون إليه كأشد ما كان ، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس{[18505]} [ حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس ]{[18506]} قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدًا إن شاء الله . ويستثني ، فيعودون إليه وهو كهيئته{[18507]} حين تركوه ، فيحفرونه ويخرجون{[18508]} على الناس ، فينشفون المياه ، ويتحصن الناس منهم في حصونهم ، فيرمون بسهامهم إلى السماء ، [ فترجع وعليها هيئة الدم ، فيقولون : قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء ]{[18509]} . فيبعث الله عليهم نغفا{[18510]} في أقفائهم ، فيقتلهم بها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، إن دواب الأرض لتسمن ، وتشكر شكرًا من لحومهم ودمائهم " {[18511]} .

ورواه أحمد أيضًا عن حسن - هو ابن موسى الأشيب - عن سفيان ، عن قتادة ، به{[18512]} . وكذا رواه{[18513]} ابن ماجه ، عن أزهر بن مروان ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن أبي عَرُوبَة ، عن قتادة قال : حدث رافع . وأخرجه الترمذي ، من حديث أبي عوانة ، عن قتادة{[18514]} . ثم قال : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

وهذا إسناده قوي ، ولكن في{[18515]} رفعه نكارة ؛ لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه ، لإحكام بنائه وصلابته وشدته . ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار : أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه حتى لا يبقى منه{[18516]} إلا القليل ، فيقولون : غدًا نفتحه . فيأتون من الغد وقد عاد كما كان ، فيلحسونه حتى لا يبقى منه{[18517]} إلا القليل ، فيقولون كذلك ، ويصبحون وهو كما كان ، فيلحسونه ويقولون : غدًا نفتحه . ويلهمون أن يقولوا : " إن شاء الله " ، فيصبحون وهو كما فارقوه ، فيفتحونه . وهذا مُتَّجه ، ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب . فإنه كثيرًا ما كان يجالسه{[18518]} ويحدثه ، فحدث به أبو هريرة ، فتوهم{[18519]} بعض الرواة عنه أنه مرفوع ، فرفعه ، والله أعلم .

ويؤكد ما قلناه{[18520]} - من أنهم لم يتمكنوا من نقبه ولا نقب شيء منه ، ومن نكارة هذا المرفوع - قول الإمام أحمد :

حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عروة ، عن [ زينب بنت أبي سلمة ، عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان ، عن أمها أم حبيبة ، عن ]{[18521]} زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم - قال سفيان : أربع نسوة - قالت : استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه . وهو محمر وجهه ، وهو يقول : " لا إله إلا الله ! ويل للعرب{[18522]} من شر قد اقترب ! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا " . وحَلَّق . قلت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : " نعم إذا كثر الخبث " .

هذا حديث صحيح ، اتفق البخاري ومسلم على إخراجه ، من حديث الزهري{[18523]} ، ولكن سقط في رواية البخاري ذكر حبيبة ، وأثبتها مسلم . وفيه أشياء{[18524]} عزيزة نادرة قليلة الوقوع في صناعة{[18525]} الإسناد ، منها رواية الزهري عن عروة ، وهما تابعيان ومنها{[18526]} اجتماع أربع نسوة في سنده ، كلهن يروي بعضهن عن بعض . ثم كل منهن صحابية{[18527]} ، ثم ثنتان ربيبتان وثنتان زوجتان ، رضي الله عنهن .

وقد روي نحو هذا عن أبي هريرة أيضًا ، فقال البزار : حدثنا محمد بن مرزوق ، حدثنا مُؤمَّل بن إسماعيل ، حدثنا وهيب{[18528]} ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " فُتِح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا " وعقد التسعين . وأخرجه البخاري ومسلم من حديث وهيب{[18529]} ، به{[18530]} .


[18503]:في ف، أ: "يصعدوا من".
[18504]:في ت: "لا".
[18505]:في أ: "على النار".
[18506]:زيادة من ف، أ، والمسند.
[18507]:في أ: "كهيئة".
[18508]:في ت: "ويخرجونهم".
[18509]:زيادة من ف، أ، والمسند.
[18510]:في أ: "نغيفا".
[18511]:المسند (2/510).
[18512]:المسند (2/511).
[18513]:في أ: "رواه الإمام".
[18514]:سنن ابن ماجة برقم (4080) وسنن الترمذي برقم (3153).
[18515]:في ف، أ: "ولكن متنه في".
[18516]:في ف: "فيه".
[18517]:في ف، أ: "فيه".
[18518]:في ت: "كان كثيرا ما يجالسه".
[18519]:في ت: "فيقرهم".
[18520]:في أ: "قلنا".
[18521]:زيادة من ف، أ، والمسند.
[18522]:في ت: "للغريب".
[18523]:المسند (6/428) وصحيح البخاري برقم (7135) وصحيح مسلم برقم (2880).
[18524]:في أ: "منهم صاحبيه".
[18525]:في ت: "صياغة".
[18526]:في أ: "وفيما".
[18527]:في أ: "منهم صاحبية".
[18528]:في ت: "وهب".
[18529]:في ت: "وهب".
[18530]:صحيح البخاري برقم (7136) وصحيح مسلم برقم (2881).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَمَا ٱسۡطَٰعُوٓاْ أَن يَظۡهَرُوهُ وَمَا ٱسۡتَطَٰعُواْ لَهُۥ نَقۡبٗا} (97)

{ فما اسطاعوا } بحذف التاء حذرا من تلاقي متقاربين . وقرأ حمزة بالإدغام جامعا بين الساكنين على غير حده . وقرئ بقلب السين صادا . { أن يظهروه } أن يعلوه بالصعود لارتفاعه وانملاسه . { وما استطاعوا له نقباً } لثخنه وصلابته . وقيل حفر للأساس حتى بلغ الماء ، وجعله من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم حتى ساوى أعلى الجبلين ، ثم وضع المنافيخ حتى صارت كالنار فصب النحاس المذاب عليه فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلداً . وقيل بناه من الصخور مرتبطا بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب في تجاويفها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَمَا ٱسۡطَٰعُوٓاْ أَن يَظۡهَرُوهُ وَمَا ٱسۡتَطَٰعُواْ لَهُۥ نَقۡبٗا} (97)

ضمير { اسْطَاعُوَا } و { اسَتَطَاعُوا } ليأجوج ومأجوج .

والظهور : العلو . والنقب : كسر الرّدم ، وعدم استطاعتهم ذلك لارتفاعه وصلابته .

و { اسْطَاعُوَا } تخفيف { اسَتَطَاعُوا } ، والجمع بينهما تفنن في فصاحة الكلام كراهية إعادة الكلمة . وابتدىء بالأخف منهما لأنه وليه الهمز وهو حرف ثقيل لكونه من الحلق ، بخلاف الثاني إذ وليه اللام وهو خفيف .

ومقتضى الظاهر أن يُبتدأ بفعل { اسَتَطَاعُوا } ويثني بفعل { اسْطَاعُوَا } لأنه يثقل بالتكرير ، كما وقع في قوله آنفاً { سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً } [ الكهف : 78 ] ثم قوله : { ذلك تأويل ما لم تَسْطِع عليه صبراً } [ الكهف : 82 ] .

ومن خصائص مخالفة مقتضى الظاهر هنا إيثار فعل ذي زيادة في المبنى بموقع فيه زيادة المعنى لأن استطاعة نقب السد أقوى من استطاعة تسلقه ، فهذا من مواضع دلالة زيادة المبنى على زيادة في المعنى .

وقرأ حمزة وحده { فَما اسْطَّاعوا الأول بتشديد الطاء مدغماً فيها التاء .