التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰۖ وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ} (56)

ثم بين - سبحانه - أن بقاءهم فى تلك الجنات بقاء دائم فقال : { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الجحيم } .

أي : هم باقون بقاء دائما في تلك الجنات ، بحيث لا يموتون فيها أبدا ، إلا الموتة الأولى التي ذاقوها عند نهاية آجالهم في الدنيا ، ووقاهم - سبحانه - بعدها عذاب الجحيم ، الذي حل بالكافرين .

قال الآلوسي : وقوله : { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى } جملة مستأنفة أو حالية ، وكأنه أريد أن يقال : لا يذوقون فيها الموت البتة ، فوضع الموتة الأولى موضع ذلك ، لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها . ونظيره قول القائل لمن يستسقيه : لا أسقيك إلا الجمر ، وقد علم أن الجمر لا يسقى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰۖ وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ} (56)

لا يتوقعون نهاية لهذا النعيم ، فلا موت هنالك وقد ذاقوا الموتة الأولى ، وغيرها لا يذوقون . . وذلك في مقابل ما كان المشركون يقولون : ( إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين ) . . فنعم إنها الموتة الأولى ولكن وراءها الجحيم والنعيم . ( ووقاهم عذاب الجحيم ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰۖ وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ} (56)

وقوله : { لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى } هذا استثناء يؤكد النفي ، فإنه استثناء منقطع ومعناه : أنهم لا يذوقون فيها الموت أبدًا ، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يؤتى بالموت في صورة كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا{[26286]} موت ، ويا أهل النار خلود فلا{[26287]} موت " وقد تقدم الحديث في سورة مريم{[26288]} .

وقال عبد الرزاق : حدثنا سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي مسلم الأغر ، عن أبي سعيد وأبي هريرة ، رضي الله عنهما ، قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقال لأهل الجنة : إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا ، وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدًا ، وإن لكم أن تنعموا فلا تَبْأسوا أبدًا ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا " . رواه مسلم عن إسحاق بن راهويه وعبد بن حميد ، كلاهما عن عبد الرزاق به{[26289]} .

هكذا يقول أبو إسحاق وأهل العراق " أبو مسلم الأغر " ، وأهل المدينة يقولون : " أبو عبد الله الأغر " {[26290]} .

وقال أبو بكر بن أبي داود السجستاني : حدثنا أحمد بن حفص ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن طَهْمَان ، عن الحجاج - هو ابن حجاج{[26291]} - عن عبادة{[26292]} ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من اتقى الله دخل الجنة ، ينعم فيها ولا يبأس ، ويحيا فيها فلا يموت ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه " {[26293]} .

وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن يحيى ، حدثنا عمرو بن محمد الناقد ، حدثنا سليمان بن عبيد الله الرقي ، حدثنا مصعب بن إبراهيم ، حدثنا عمران بن الربيع الكوفي ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن محمد بن المُنْكَدِر ، عن جابر ، رضي الله عنه ، قال : سُئل نبي الله صلى الله عليه وسلم : أينام أهل الجنة ؟ فقال : " النوم أخو الموت ، وأهل الجنة لا ينامون " {[26294]} .

وهكذا رواه أبو بكر بن مُرْدَويه في تفسيره : حدثنا أحمد بن القاسم بن صدقة المصري ، حدثنا المقدام بن داود ، حدثنا عبد الله بن المغيرة ، حدثنا سفيان الثوري ، عن محمد بن الْمنكَدِر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " النوم أخو الموت ، وأهل الجنة لا ينامون " {[26295]} .

وقال أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا الفضل بن يعقوب ، حدثنا محمد بن يوسف الفِريابي ، عن سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قيل : يا رسول الله ، هل ينام أهل الجنة ؟ قال : " لا النوم أخو الموت " ثم قال : " لا نعلم أحدًا أسنده عن ابن المنكدر ، عن جابر إلا الثوري ، ولا عن الثوري ، إلا الفريابي " {[26296]} هكذا قال ، وقد تقدم خلاف ذلك ، والله أعلم .

وقوله : { وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } أي : مع هذا النعيم العظيم المقيم قد وقاهم ، وسلمهم ونجاهم وزحزحهم من{[26297]} العذاب الأليم في دركات الجحيم ، فحصل لهم المطلوب ، ونجاهم من المرهوب ؛ ولهذا قال : { فَضْلا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }


[26286]:- (8) في أ: "بلا".
[26287]:- (9) في أ: "بلا".
[26288]:- (10) انظر: تخريج الحديث عند الآية: 39 من سورة مريم.
[26289]:- (1) صحيح مسلم برقم (2837).
[26290]:- (2) والأول هو الصواب كما بين ذلك الإمام المزي في تهذيب الكمال.
[26291]:- (3) في أ: "الحجاج".
[26292]:- (4) في م، أ: "قتادة".
[26293]:- (5) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (4895) "مجمع البحرين" من طريق أحمد بن حفص به.
[26294]:- (6) المعجم الأوسط برقم (4875) "مجمع البحرين" وفي إسناده مصعب بن إبراهيم العبسي، منكر الحديث.
[26295]:- (7) ورواه أبو نعيم في الحلية (7/90) من طريق أحمد بن القاسم عن المقدام بن داود به، وقال: "غريب من حديث الثوري، تفرد به عبد الله".
[26296]:- (8) مسند البزار برقم (3517) "كشف الأستار" قال الهيثمي في المجمع (10/415): "رجال البزار رجال الصحيح".
[26297]:- (9) في ت: "عن".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰۖ وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ} (56)

{ لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى } بل يحيون فيها دائما ، والاستثناء منقطع أو متصل والضمير للآخرة و { الموت } أول أحوالها ، أو الجنة والمؤمن يشارفها بالموت ويشاهدها عنده فكأنه فيها ، أو الاستثناء للمبالغة في تعميم النفي وامتناع { الموت } فكأنه قال : { لا يذوقون فيها الموت } إلا إذا أمكن ذوق الموتة الأولى في المستقبل . { ووقاهم عذاب الجحيم } وقرئ " ووقاهم " على المبالغة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰۖ وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ} (56)

وقوله تعالى : { إلا الموتة الأولى } قدر قوم { إلا } بسوى ، وضعف ذلك الطبري ، وقدرها ببعد ، وليس تضعيفه بصحيح ، بل يصح المعنى بسوى ويتسق{[10250]} ، وأما معنى الآية : فبين أنه نفى عنهم ذوق الموت ، وأنه لا ينالهم من غير ذلك ما تقدم في الدنيا .


[10250]:حجة الطبري في ذلك أنك إذا قلت:"لا أذوق اليوم طعاما إلا الطعام الذي ذقته قبل اليوم" فإنك تريد الخبر أن عندك طعاما أنت اليوم ذائقه وطاعمه دون غيره من الأطعمة، وإذا كان هذا هو الأغلب في المعنى فإن قوله تعالى في الآية الكريمة:{إلا الموتة الأولى} قد أثبت موتة أخرى من نوع الموتة الأولى التي هم ذائقوها، ومعلوم أن ذلك لن يكون؛ لأن الله تعالى قد آمن أهل الجنة من الموت بعد دخولها. وإنما جاز أن توضع"إلا" موضع "بعد" لتقارب معنى كل منهما من معنى الأخرى، ثم مضى في كلام طويل يثبت فيه أن العرب قد اعتادت أن تضع الكلمة موضع أخرى إذا تقارب المعنيان، فيضعون الرجاء موضع الخوف لما في معنى الرجاء من الخوف، ويضعون الظن موضع العلم الذي أدرك استدلالا ولم يدرك من قِبَل العيان، قال: وهذه الآية مثل قوله تعالى:{ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف}، فإن المعنى: بعد الذي سلف، ولا يصح أن تضع هنا "سوى" في موضع"إلا"؛ لأن ذلك يكون ترجمة عن المكان وبيانا عنها بما هو أشد التباسا على من أراد علم معناها منها. والزمخشري يرى أن معنى الآية:"لا يذقون فيها الموت البتة"، أي لا يذوقون الموت أبدا إلا الموتة الأولى التي كانت قبل دخول الجنة، وهذا هو المعنى الذي ذكره ابن عطية، وهو الواضح المفهوم من الآية.