التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِن كُلِّ شَيۡءٖ سَبَبٗا} (84)

ثم بين - سبحانه - ما أعطاه الله لذى القرنين من نعم فقال : { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرض وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً } .

وقوله : { مكنا } من التمكين بمعنى إعطائه الوسائل التى جعلته صاحب نفوذ وسلطان فى أقطار الأرض المختلفة . والمفعول محذوف ، أى : إنا مكنا له أمره من التصرف فيها كيف يشاء . بأن أعطيناه سلطانا وطيد الدعائم ، وآتيناه من كل شئ أراده فى دنياه لتقوية ملكه { سببا } أى سبيلا وطريقا يوصله إلى مقصوده ، كآلات السير ، وكثرة الجند ، ووسائل البناء والعمران .

وهذه الأسباب التى أعطاها الله إياه ، لم يرد حديث صحيح بتفصيلها ، فعلينا أن نؤمن بأن الله - تعالى - قد أعطاه وسائل عظيمة لتدعيم ، ملكه ، دون أن نلتفت إلى ما ذكره هنا بعض المفسرين من إسرائيليات لا قيمة لها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِن كُلِّ شَيۡءٖ سَبَبٗا} (84)

83

يبدأ الحديث عن ذي القرنين بشيء عنه :

( إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا ) . .

لقد مكن الله له في الأرض ، فأعطاه سلطانا وطيد الدعائم ؛ ويسر له أسباب الحكم والفتح ، وأسباب البناء والعمران ، وأسباب السلطان والمتاع . . وسائر ما هو من شأن البشر أن يمكنوا فيه في هذه الحياة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِن كُلِّ شَيۡءٖ سَبَبٗا} (84)

وقوله { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ } أي : أعطيناه ملكًا عظيمًا متمكنًا ، فيه له من جميع ما يؤتى{[18420]} الملوك ، من التمكين والجنود{[18421]} ، وآلات الحرب والحصارات ؛ ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض ، ودانت له البلاد ، وخضعت له ملوك العباد ، وخدمته الأمم ، من العرب والعجم ؛ ولهذا ذكر بعضهم أنه إنما سمي ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها .

وقوله : { وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا } : قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، والسدي ، وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم : يعني علمًا .

وقال قتادة أيضًا في قوله : { وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا } قال : منازل الأرض وأعلامها .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : { وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا } قال : تعليم الألسنة ، كان لا يغزو قومًا إلا كلمهم بلسانهم .

وقال ابن لَهيعة : حدثني سالم بن غَيْلان ، عن سعيد بن أبي هلال ؛ أن معاوية بن أبي سفيان قال{[18422]} لكعب الأحبار : أنت تقول : إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا ؟ فقال له كعب : إن كنت قلت ذلك ، فإن الله تعالى قال : { وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا } .

وهذا الذي أنكره معاوية ، رضي الله عنه ، على كعب الأحبار هو الصواب{[18423]} ، والحق مع معاوية في الإنكار ؛ فإن معاوية كان يقول عن كعب : " إن كنا لنبلو{[18424]} عليه الكذب " يعني : فيما ينقله ، لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحيفته{[18425]} ، ولكن الشأن في صحيفته{[18426]} ، أنها من الإسرائيليات التي غالبها مبدل مصحف محرف مختلق{[18427]} ولا حاجة لنا مع خبر الله ورسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]{[18428]} إلى شيء منها بالكلية ، فإنه دخل منها على الناس شر كثير{[18429]} وفساد عريض . وتأويل كعب قول الله : { وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا } واستشهاده في ذلك على ما يجده في صحيفته من أنه كان يربط خيله بالثريا غير صحيح ولا مطابق ؛ فإنه لا سبيل للبشر إلى شيء من ذلك ، ولا إلى الترقي{[18430]} في أسباب السموات . وقد قال الله في حق بلقيس : { وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } [ النمل : 23 ] أي : مما يؤتى مثلها من الملوك ، وهكذا ذو القرنين يسر الله له الأسباب ، أي : الطرق والوسائل إلى فتح الأقاليم والرَّسَاتيق والبلاد والأراضي وكسر الأعداء ، وكبت ملوك الأرض ، وإذلال أهل الشرك . قد أوتي من كل شيء مما{[18431]} يحتاج إليه مثله سببًا ، والله أعلم .

وفي " المختارة " للحافظ الضياء المقدسي ، من طريق قتيبة ، عن أبي عوانة عن سماك بن حرب ، عن حبيب بن حماز{[18432]} قال : كنت عند علي ، رضي الله عنه ، وسأله رجل عن ذي القرنين : كيف بلغ المشارق والمغارب ؟ فقال سبحان الله سخر له السحاب ، وقَدَّر له الأسباب ، وبسط له اليد{[18433]} .


[18420]:في ف: "تؤتى".
[18421]:في ف: "من الجنود والتمكن".
[18422]:في ت: "يقول".
[18423]:في أ: "الطنوب".
[18424]:في أ: "لنتلو".
[18425]:في ف، أ: "صحفه".
[18426]:في ف، أ: "صحفه".
[18427]:في أ: "مخلق".
[18428]:زيادة من ف، أ.
[18429]:في ت: "كبير".
[18430]:في ف: "الرقى".
[18431]:في أ: "ما".
[18432]:في ت، ف، أ: "حماد".
[18433]:المختارة برقم (409).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِن كُلِّ شَيۡءٖ سَبَبٗا} (84)

{ إنّا مكّنا له في الأرض } أي مكنا له أمره من التصرف فيها كيف شاء فحذف المفعول . { وآتيناه من كل شيء } أراده وتوجه إليه . { سببا } وصلة توصله إليه من العلم والقدرة والآلة .