التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ بِضَنِينٖ} (24)

والضمير فى قوله - تعالى - : { وَمَا هُوَ عَلَى الغيب بِضَنِينٍ } يعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم المعبر عنه قبل ذلك { بصاحبكم } .

والغيب : ما غاب عن مدارك الناس وحواسهم ، لأن الله - تعالى - قد استأثر بعلمه .

والضنين : هو البخيل بالشئ ، مأخوذ من الضن - بالكسر والفتح - بمعنى البخل .

قال الآلوسى : " وما هو " أى : رسول الله صلى الله عليه وسلم " على الغيب " أى : على ما يخبر به من الوحى إليه وغيره من الغيوب " بضنين " من الضن - بكسر الضاد وفتحها - بمعنى البخل ، أى : ببخيل ، أى : لا يبخل بالوحى ، ولا يقصر فى التعليم والتبليغ ، ومنح كل ما هو مستعد له من العلوم ، على خلاف الكهنة فإنهم لا يطلعون غيرهم على ما يزعمون معرفته إلا بإعطائهم حلوانا .

وقرأ ابن كثير والكسائى وأبو عمر { بِضَنِينٍ } - بالظاء - أى : وما هو على الغيب بمتهم ، من الظنة - بالكسر - بمعنى التهمة .

ثم قال : ورجحت هذه القراءة ، لأنها أنسب بالمقام ، لاتهام الكفرة له صلى الله عليه وسلم بذلك ، ونفى التهمة ، أولى من نفى البخل .

وهذا القول لا نوافق الآلوسى - رحمه الله - عليه ، لأن القراءة متى ثبتت عن النبى صلى الله عليه وسلم لا يجوز التفاضل بينهما . والمعنى عليها واضح ولا تعارض فيه .

أى : وما محمد صلى الله عليه وسلم ببخيل بتبليغ الوحى ، بل هو مبلغ له على أكمل وجه وأتمه ، وما هو - أيضا - بمتهم فيما يبلغه عن ربه ، لأنه صلى الله عليه وسلم سيد أهل الصدق والأمانة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ بِضَنِينٖ} (24)

فهذه صفة الرسول الذي حمل القول وأداه ، فأما الرسول الذي حمله إليكم فهو( صاحبكم ) . . عرفتموه حق المعرفة عمرا طويلا . فما لكم حين جاءكم بالحق تقولون فيه ما تقولون . وتذهبون في أمره المذاهب ، وهو( صاحبكم )الذي لا تجهلون . وهو الأمين على الغيب الذي يحدثكم عنه عن يقين :

( وما صاحبكم بمجنون . ولقد رآه بالأفق المبين . وما هو على الغيب بضنين . وما هو بقول شيطان رجيم . فأين تذهبون ? إن هو إلا ذكر للعالمين ) . .

ولقد قالوا عن النبي الكريم الذي يعرفونه حق المعرفة ، ويعرفون رجاحة عقله ، وصدقه وأمانته وتثبته ، قالوا عنه : إنه مجنون .

وإن شيطانا يتنزل عليه بما يقول . قال بعضهم هذا كيدا له ولدعوته كما وردت بذلك الأخبار . وقاله بعضهم عجبا ودهشة من هذا القول الذي لا يقوله البشر فيما يألفون ويعهدون . وتمشيا مع ظنهم أن لكل شاعر شيطانا يأتيه بالقول الفريد . وأن لكل كاهن شيطانا يأتيه بالغيب البعيد . وأن الشيطان يمس بعض الناس فينطق على لسانهم بالقول الغريب ! وتركوا التعليل الوحيد الصادق ، وهو أنه وحي وتنزيل من رب العالمين .

فجاء القرآن يحدثهم في هذا المقطع من السورة عن جمال الكون البديع ، وحيوية مشاهده الجميلة . ليوحي إلى قلوبهم بأن القرآن صادر عن تلك القدرة المبدعة ، التي أنشأت ذلك الجمال . على غير مثال . وليحدثهم بصفة الرسول الذي حمله ، والرسول الذي بلغه . وهو صاحبهم الذي عرفوه . غير مجنون . والذي رأى الرسول الكريم - جبريل - حق الرؤية ، بالأفق المبين الواضح الذي تتم فيه الرؤية عن يقين . وأنه [ صلى الله عليه وسلم ] لمؤتمن على الغيب ، لا تظن به الظنون في خبره الذي يرويه عنه ، فما عرفوا عنه إلا الصدق واليقين . ( وما هو بقول شيطان رجيم )فالشياطين لا توحي بهذا النهج القويم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ بِضَنِينٖ} (24)

وقوله : { وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ } أي : وما محمد على ما أنزله الله إليه بظنين ، أي : بمتهم . ومنهم من قرأ ذلك بالضاد ، أي : ببخيل ، بل يبذله لكل أحد .

قال سفيان بن عُيَينة : ظنين وضنين سواء ، أي : ما هو بكاذب ، وما هو بفاجر . والظنين : المتهم ، والضنين : البخيل .

وقال قتادة : كان القرآن غيبا ، فأنزله الله على محمد ، فما ضَنّ به على الناس ، بل بَلَّغه ونشره وبذله لكل من أراده . وكذا قال عكرمة ، وابن زيد ، وغير واحد . واختار ابنُ جرير قراءة الضاد{[29794]} .

قلت : وكلاهما متواتر ، ومعناه صحيح كما تقدم .


[29794]:- (2) تفسير الطبري (30/53).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ بِضَنِينٖ} (24)

وما هو وما محمد صلى الله عليه وسلم على الغيب على ما يخبره من الموحى إليه وغيره من الغيوب بضنين بمتهم من الظنة وهي التهمة وقرأ نافع وعاصم وحمزة وابن عامر بضنين بالضاد من الضن وهو البخل أي لا يبخل بالتبليغ والتعليم والضاد من أصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان أو يساره والظاء من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا .