التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيّٗا} (29)

وهنا نجد مريم تبدأ فى الدفاع عن نفسها ، عن طريق وليدها { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ } .

أى : فأشارت إلى ابنها عيسى ، ولسان حالها يقول لهم : وجهوا كلامكم إليه فإنه سيخبركم بحقيقة الأمر .

ولكنهم لم يقتنعوا بإشارتها بل قالوا لها : { كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المهد صَبِيّاً } .

والمهد : اسم للمضطجع الذى يهيأ للصبى فى رضاعه . وهو فى الأصل مصدر مهده يمهده إذا بسطه وسواه .

أى : كيف نكلم طفلاً صغيراً ما زال فى مهده وفى حال رضاعه .

والفعل الماضى وهو { كَانَ } ها هنا بمعنى الفعل المضارع المقترن بالحال ، كما يدل عليه سياق القصة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيّٗا} (29)

16

وتنفذ مريم وصية الطفل العجيب التي لقنها إياها :

( فأشارت إليه ) . . فماذا تقول في العجب والغيظ الذي ساورهم وهم يرون عذراء تواجههم بطفل ؛ ثم تتبجح فتسخر ممن يستنكرون فعلتها فتصمت وتشير لهم إلى الطفل ليسألوه عن سرها !

( قالوا : كيف نكلم من كان في المهد صبيا ? ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيّٗا} (29)

وقوله : { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا } أي : إنهم لما استرابوا في أمرها واستنكروا قضيتها{[18802]} ، وقالوا لها ما قالوا معرضين بقذفها ورميها بالفرْية ، وقد كانت يومها ذلك صائمة ، صامتة فأحالت الكلام عليه ، وأشارت لهم إلى خطابه وكلامه ، فقالوا متهكمين بها ، ظانين أنها تزدري بهم وتلعب بهم : { كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا } ؟

قال ميمون بن مِهْران : { فَأَشَارَتْ [ إِلَيْهِ ] }{[18803]} ، قالت : كلموه . فقالوا : على ما جاءت به من الداهية تأمرنا أن نكلم من كان في المهد صبيا !

وقال السدي : لما أشارت إليه غضبوا ، وقالوا : لَسُخْريَتُها{[18804]} بنا حين تأمرنا أن نكلم هذا الصبي أشد علينا من زناها .

{ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا } أي : من هو موجود في مهده في حال صباه وصغره ، كيف يتكلم ؟


[18802]:في ف، أ: "قصتها".
[18803]:زيادة من ف، أ.
[18804]:في أ: "لسخرتها".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيّٗا} (29)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً } .

يقول تعالى ذكره : فلما قال قومها ذلك لها قالت لهم ما أمرها عيسى بقيله لهم ، ثم أشارت لهم إلى عيسى أن كلّموه ، كما :

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : لما قالوا لها : ما كانَ أبُوكِ امْرأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمّكِ بَغِيّا قالت لهم ما أمرها الله به ، فلما أرادوها بعد ذلك على الكلام أشارت إليه ، إلى عيسى .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فأشارَتْ إلَيهِ قال : أمرتهم بكلامه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن وهب بن منبه فأشارَتْ إلَيهِ يقول : أشارت إليه أن كلّموه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله فأشارَتْ إلَيهِ أن كَلّموه .

وقوله : قالُوا كَيْفَ نُكَلّمُ مَنْ كانَ فِي المَهْدِ صَبِيّا يقول تعالى ذكره : قال قومها لها : كيف نكلم من وُجد في المهد ؟ وكان في قوله مَنْ كانَ فِي المَهْدِ صَبِيّا معناها التمام ، لا التي تقتضي الخبر ، وذلك شبيه المعنى بكان التي في قوله هَلْ كُنْتُ إلاّ بَشَرا رَسُولاً وإنما معنى ذلك : هل أنا إلا بشر رسول ؟ وهل وجدت أو بعثت وكما قال زهير بن أبي سُلْمَى :

زَجَرْتُ علَيْهِ حُرّةً أرْحَبِيّةً *** وَقَدْ كانَ لَوْنُ اللّيْلِ مِثْلَ الأرَنْدَجِ

بمعنى : وقد صار أو وُجد . وقيل : إنه عني بالمهد في هذا الموضع : حجر أمه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة مَنْ كانَ فِي المَهْدِ صَبِيّا والمهد : الحجر .

قال أبو جعفر : وقد بيّنا معنى المهد فيما مضى بشواهده ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيّٗا} (29)

أي أشارت إليه إشارة دلّت على أنها تُحيلهم عليه ليسألوه عن قصته ، أو أشارت إلى أن يسمعوا منه الجواب عن توبيخهم إياها وقد فهموا ذلك من إشارتها .

ولما كانت إشارتها بمنزلة مراجعة كلام حكى حِوارهم الواقع عقب الإشارة بجملة القول مفصولةً غير معطوفة .

والاستفهام : إنكار ؛ أنكروا أن يكلموا من ليس من شأنه أن يتكلم ، وأنكروا أن تحيلهم على مكالمته ، أي كيف نترقب منه الجواب أو كيف نلقي عليه السؤال ، لأن الحالتين تقتضيان التكلم .

وزيادة فعل الكون في { مَن كَان في المَهدِ } للدلالة على تمكن المظروفية في المهد من هذا الذي أحيلوا على مكالمته ، وذلك مبالغة منهم في الإنكار ، وتعجب من استخفافها بهم . ففعل ( كان ) زائد للتوكيد ، ولذلك جاء بصيغة المضي لأن ( كان ) الزائدة تكون بصيغة الماضي غالباً .

وقوله { في المَهْدِ } خبر ( مَن ) الموصولة .

و { صَبِيّاً } حال من اسم الموصول .

و ( المَهْدِ ) فراش الصبي وما يمهد لوضعه .