التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَ فَلَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (49)

ثم يحكى - سبحانه - بعد ذلك موقف فرعون وقد رأى ما حطمه وزلزله فقال - تعالى - : { قَالَ } أى فرعون للسحرة { آمَنتُمْ لَهُ } أى : لموسى { قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ } بالإيمان به .

. .

{ إِنَّهُ } أى : موسى - عليه السلام - { لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر } أى : فأنتم متواطئون معه على هذه اللعبة { فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } ما أنزله بكم من عذاب .

{ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ } أى : لأقطعن من كل واحد منكم يده اليمنى مع رجله اليسرى . { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } أى : فى جذوع النخل - كما جاء فى آية أخرى - والمتأمل فى قول فرعون - كما حكاه القرآن عنه يرى فيه الطغيان والكفر ، فهو يستنكر على السحرة إيمانهم بدون إذن .

ويرى فيه الكذب الباطل الذى قصد من ورائه تشكيك قومه فى صدق موسى وفى نبوته فهو يقول لهم : { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر } .

ويرى فيه بعد هذا التلبيس على قومه ، التهديد الغليظ - شأن الطغاة فى كل زمان ومكان - فهو يقول للسحرة الذين صاروا مؤمنين : { فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } أى : بدون استثناء لواحد منهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَ فَلَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (49)

10

عندئذ جن جنون فرعون ، فلجأ إلى التهديد البغيض بالعذاب والنكال . بعد أن حاول أن يتهم السحرة بالتآمر عليه وعلى الشعب مع موسى !

قال : آمنتم له قبل أن آذن لكم ! إنه لكبيركم الذى علمكم السحر . فلسوف تعلمون . لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ، ولأصلبنكم أجمعين . .

( آمنتم له قبل أن آذن لكم ) . . لم يقل آمنتم به . إنما عده استسلاما له قبل إذنه . على طريقة المناورات التي يدبرها صاحبها وهو مالك لإرادته ، عارف بهدفه ، مقدر لعاقبته . ولم يشعر قلبه بتلك اللمسة التي مست قلوبهم . ومتى كان للطغاة قلوب تشعر بمثل هذه اللماسات الوضيئة ? ثم سارع في اتهامهم لتبرير ذلك الانقلاب الخطير : ( إنه لكبيركم الذي علمكم السحر )وهي تهمة عجيبة لا تفسير لها إلا أن بعض هؤلاء السحرة - وهم من الكهنة - كانوا يتولون تربية موسى في قصر فرعون أيام أن تبناه ، أو كان يختلف إليهم في المعابد . فارتكن فرعون إلىهذه الصلة البعيدة ، وقلب الأمر فبدلا من أن يقول : إنه لتلميذكم قال : إنه لكبيركم . ليزيد الأمر ضخامة وتهويلا في أعين الجماهير !

ثم جعل يهدد بالعذاب الغليظ بعد التهويل فيما ينتظر المؤمنين :

( فلسوف تعلمون . لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين ) . .

إنها الحماقة التي يرتكبها كل طاغية ، حينما يحس بالخطر على عرشه أو شخصه ، يرتكبها في عنف وغلظة وبشاعة ، بلا تحرج من قلب أو ضمير . . وإنها لكلمة فرعون الطاغية المتجبر الذي يملك تنفيذ ما يقول . . فما تكون كلمة الفئة المؤمنة التي رأت النور !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَ فَلَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (49)

تهددهم فلم يقطع ذلك فيهم ، وتوعدهم فما زادهم إلا إيمانا وتسليما . وذلك أنه قد كشف عن قلوبهم حجاب الكفر ، وظهر لهم الحق بعلمهم ما جهل قومهم ، من أن هذا الذي جاء به موسى لا يصدر عن بشر ، إلا أن يكون الله قد أيده به ، وجعله له حجة ودلالة على صدق ما جاء به من ربه ؛ ولهذا لما قال لهم فرعون : { آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ } ؟ أي : كان ينبغي أن تستأذنوني فيما فعلتم ، ولا تفتاتوا عليَّ في ذلك ، فإن أذنت لكم فعلتم ، وإن منعتكم امتنعتم ، فإني أنا الحاكم المطاع ؛ { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ } . وهذه مكابرة يعلم كل أحد بُطلانها ، فإنهم لم يجتمعوا بموسى قبل ذلك اليوم ، فكيف يكون كبيرهم الذي أفادهم صناعة السحر ؟ هذا لا يقوله عاقل .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَ فَلَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (49)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنّهُ لَكَبِيرُكُمُ الّذِي عَلّمَكُمُ السّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لاُقَطّعَنّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ وَلاُصَلّبَنّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُواْ لاَ ضَيْرَ إِنّآ إِلَىَ رَبّنَا مُنقَلِبُونَ } .

يقول لأُقَطّعَنّ أيْديَكُمْ وأرْجُلَكُمْ مخالفا في قطع ذلك منكم بين قطع الأيدي والأرجل ، وذلك أن أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، ثم اليد اليسرى والرجل اليمنى ، ونحو ذلك من قطع اليد من جانب ، ثم الرجل من الجانب الاَخر ، وذلك هو القطع من خلاف وَلأُصَلّبَنّكُمْ أجَمعِينَ فوكد ذلك بأجمعين إعلاما منه أنه غير مستبقٍ منهم أحدا قالُوا لا ضَيْرَ يقول تعالى ذكره : قالت السحرة : لا ضير علينا وهو مصدر من قول القائل : قد ضار فلانٌ فلانا فهو يضير ضيرا ، ومعناه : لا ضرر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لا ضَيْرَ قال : يقول : لا يْضرّنا الذي تقول ، وإن صنعته بنا وصلبتنا إنّا إلى رَبّنا مُنْقَلِبُونَ يقول : إنا إلى ربنا راجعون ، وهو مجازينا بصبرنا على عقوبتك إيانا ، وثباتنا على توحيده ، والبراءة من الكفر به .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَ فَلَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (49)

{ قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر } فعلمكم شيئا دون شيء ولذلك غلبكم ، أو فواعدكم على ذلك وتواطأتم عليه ، وأراد به التلبيس على قومه كي لا يعتقدوا أنهم أمنوا على بصيرة وظهور حق ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وروح " أأمنتم " بهمزتين { فلسوف تعلمون } وبال ما فعلتم وقوله : { لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين } بيان له .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَ فَلَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (49)

قصد فرعون إرهابهم بهذا الوعيد لعلهم يرجعون عن الإيمان بالله . ونظير أول هذه الآية تقدم في سورة الأعراف ، ونظير آخرها تقدم فيها وفي سورة طه . وهنالك ذكرنا عدد السحرة وكيف آمنوا . واللام في { فلسوف } لام القسم .