التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهَا مُنقَلَبٗا} (36)

ثم ختم هذا الكافر محاورته لصاحبه بقوله : { وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً } أى : كائنة ومتحققة . فهو قد أنكر البعث وما يترتب عليه من حساب بعد إنكاره لفناء جنته ، ثم أكد كلامه بجملة قسمية فقال : { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي } أى : والله لئن رددت إلى ربى على سبيل الفرض والتقدير كما أخبرتنى يا صاحبى بأن هناك بعثا وحسابا { لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا } أى : من هذه الجنة { منقلبا } أى : مرجعاً وعاقبة . اسم مكان من الانقلاب بمعنى الرجوع والانصراف عن الشئ إلى غيره .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - :

{ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً }

وقوله - سبحانه - :

{ وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }

والمتدبر لحال صاحب الجنتين يراه ، - أولا - قد زعم أن مدار التفاضل هو الثروة والعشيرة ، ويراه - ثانيا - قد بنى حياته على الغرور والبطر ، واعتقاد الخلود لزينة الحياة الدنيا ، ويراه - ثالثاً - قد أنكر البعث والحساب ، والثواب والعقاب .

ويراه - رابعا - قد توهم أن غناه فى الدنيا سيكون معه مثله فى الآخرة :

قال صاحب الكشاف : " وأخبر عن نفسه بالشك فى بيدودة جنته ، لطول أمله ، واستيلاء الحرص عليه ، وتمادى غفلته ، واغتراره بالمهلة ، واطراحه النظر فى عواقب أمثاله ، وترى أكثر الأغنياء من المسلمين ، وإن لم يطلقوا بمثل هذا ألسنتهم ، فإن ألسنة أحوالهم ناطقة به ، منادية عليه .

وأقسم على أنه إن رد إلى ربه - على سبيل الفرض والتقدير - ليجدن فى الآخرة خيراً من جنته فى الدنيا ، تطمعا وتمنيا على الله . . " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهَا مُنقَلَبٗا} (36)

28

أنكر قيام الساعة أصلا ، وهبها قامت فسيجد هنالك الرعاية والإيثار ! أليس من أصحاب الجنان في الدنيا فلا بد أن يكون جنابه ملحوظا في الآخرة !

( وما أظن الساعة قائمة . ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ) !

إنه الغرور يخيل لذوي الجاه والسلطان والمتاع والثراء ، أن القيم التي يعاملهم بها أهل هذه الدنيا الفانية تظل محفوظة لهم حتى في الملأ الأعلى ! فما داموا يستطيلون على أهل هذه الأرض فلا بد أن يكون لهم عند السماء مكان ملحوظا !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهَا مُنقَلَبٗا} (36)

35

{ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا } أي : ولئن كان معاد ورجعة وَمَرَدٌّ إلى الله ، ليكونَنّ لي هناك أحسن من هذا لأني مُحظى{[18179]} عند ربي ، ولولا كرامتي{[18180]} عليه ما أعطاني هذا ، كما قال في الآية الأخرى : { وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى } [ فصلت : 50 ] ، وقال { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا } [ مريم : 77 ] أي : في الدار الآخرة ، تألى على الله ، عز وجل ، وكان سبب نزولها في العاص بن وائل ، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة .


[18179]:في ت، ف: "محض".
[18180]:في ت: "إكرامى".